تهريج إعلامي وأخطر الأزمات

تهريج إعلامي وأخطر الأزمات

26 مارس 2015
+ الخط -

تأخير دخول مدينة تكريت المحاصرة، استدعى تأويلات وتلفيقات وتهريجاً إعلامياً واسع النطاق. تحدث بعضهم عن اعتراض أميركي، وذهب آخرون بخيالهم بعيداً في الحديث عن وجود رغد بنت صدام حسين، وعزة الدوري، ضمن المحاصرين، وهناك من يقول عن عرض دولة قطر لدفع خمسين مليار دولار لفك الحصار عن تكريت، وتهريب المحاصرين.
يسقط إعلامنا، هو الآخر، في مستنقع التهريج والتسخيف والمجانية، ويبتعد عن اليقين والتحليل والمنطق العسكري، وسياقات معركة تتحرك في صفحات مدروسة عسكرياً إلى جانب البرنامج السياسي الذي يشكل غطاءً لتلك الإنجازات العسكرية ومراحلها.
عادة ما يبتعد الإعلام المهووس بالعقد العدائية الشخصية والطائفية المتعصبة عن تصويب الأهداف والبحث عن الحقائق، لتحل بدلاً عنها رغبات تطوف في فضاء الرغبات الذاتية العقيمة، وبهذا، فإنه ينتهي إلى الإضرار بمصالح الوطن والحقائق الجلية على الأرض، ويقدم خدمة للآخر. ومن هنا، فإن الحديث عن وجود رغد والدوري في تكريت، وكونهما السبب في تعطيل دخول المدينة، يمنحهما بطولة من دون أكلاف معنوية أو مادية فعلية.
معركة تكريت والانتصارات الساحقة التي تحققت بسرعة أذهلت الجميع، خصوصاً أن المعركة جرت من دون تدخل أميركا، زعيمة التحالف، من جهة، ووجود إيران على خط المعركة، ومشاركتها الفعلية عبر الخبراء والسلاح والإدارة، دفع الموضوع إلى مدارات سياسية وإثارات دولية، تستدعي وضع معالجات وتدابير وتطمينات، تتعلق بموضوعة الحشد الشعبي، ومستوى المشاركات الدولية لكل من إيران ودول التحالف، والتحسس الذي انتاب دول الجوار الإقليمي، وأمور أخرى داخلية وخارجية، تستدعي معالجة وافية وتعهدات تبعد الشكوك والتصورات عن مستقبل الوضع في العراق.
استدعى موضوع البدر الشيعي الذي صار يتردد في وسائل الإعلام الغربية، وبتركيز غير مسبوق، استنفاراً إقليمياً، وحفز الولايات المتحدة الأميركية إلى إظهار مواقف أكثر وضوحاً في تحديد الأدوار والعلاقة مما يحدث في العراق، خصوصاً في موضوعة الحشد الشعبي، وما أثار من مخاوف في الداخل والخارج العراقي. ومن هنا، يقول ديفيد بترايوس إن "وجود الحشد الشعبي أكثر خطورة علينا من داعش".
الصوت الإعلامي العراقي مشكلة تتكرر مع كل أزمة سياسية، أو عسكرية، تعيشها البلاد منذ اثني عشر عاماً، والسبب انعدام الشفافية، وتعقد المشهد السياسي، وتعدد مصادر التصريح والحديث، من دون وجود رأي مسؤول، يحدد لنا تفاصيل الموقف، عسكرياً وسياسياً.
ذلك أحد الأسباب التي تجعل الأزمات تأخذ مداها الوهمي في خيال الجمهور العام، وتفتح الفضاء لرغبات بعضهم في التصريحات والهوائية، واختراع قصص وأوهام، ما أنزل الله بها من سلطان.


 

avata
avata
فلاح المشعل (العراق)
فلاح المشعل (العراق)