بيادق باقية

بيادق باقية

25 نوفمبر 2014
+ الخط -

"اليوم عاد كأن شيئا لم يكن.. وبراءة الأطفال في عينيه"، قول ربما يدور اليوم في خلد كل من صدق أحد "المسترين"، محمد البرادعى ووائل غنيم، الذين ما أن دعك "مجهول" فانوس الثورة القديم، حتى خرجا من قمقمهما، صائحين "شبيك لبيك.. بين يديك"، تحدث كلاهما بالإنجليزية، في أول ظهور علني منذ نحو العام، فيما يعتبر تهيئة لوجود محتمل على الساحة الإعلامية الغربية في الفترة المقبلة، وتمهيد للأشواق والدموع والآهات التي سوف يقابلان بها الشعب المصري، بعد طول احتجاب.
استدعاء الرجلين من المخازن، على عجل، إلى المشهد المصري من جديد، يكشف، لا ريب، عن ارتباك في محيط قصر الاتحادية، ومدد عاجل للمعسكر الثالث الذي تريد أميركا أن يكون حلاً وسطاً بين مطالب الإسلاميين القوية في الحكم واستشراس العسكر في الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية، والفرق بين المعسكر الثالث والعسكريين هو الفرق بين "فطوطة" و"سمورة"، كلاهما شخص واحد، اختلفا في الزي و"الباروكة"، غير أن ظهور البرادعي وغنيم يمثلان بالنسبة للشخوص الرئيسة في الانقلاب أكثر من ذلك بكثير، فهما "دراكولا الرؤساء"، ما أن يعودا من الغياهب، حتى يتحسس أولو الأمر رقابهم.
انطلاق الدعوة، فجأة، إلى ثورة إسلامية، بلا شك، أمر يستحق الحذر والتساؤل والبحث والتمحيص، ونظراً لأن مباراة الشطرنج طالت بين المعسكرين، الإسلامي والصهيوني، وأصبحت القطع الباقية على اللوحة محدودة، يظهر فيها البرادعي وغنيم بيدقين، قد بلغا الخانة الأخيرة، وهم على وشك الترقية، فإن خيارات الطرفين، أيضاً، قد أصبحت محدودة. كلا الطرفين قد أصبح واعياً، تماماً، لتحركات الطرف الآخر ومراميه، فمن ناحية المعسكر الإسلامي، اعتمد الإخوان، ومن معهم، سياسة الصمود الكامل، من دون تراجع ولا تنازل ولا هوادة، واتخذوا من السلمية الكاملة منهجاً لمقاومتهم الراسخة، وقد أنتج هذا الصمود تصدعاً اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً، لدى العسكريين، لم تفلح معه العلاجات العنيفة. أما المعسكر الذي يشرف على الانقلاب، فقد اعتمد، منذ  اللحظة الأولى، سياسة واضحة في التصدي العنيف جداً لتلك المقاومة السلمية التي تمثلت في التظاهر ضد القوى الانقلابية، وكان من مفردات ذلك العنف ما يقع تحت طائلة القانون الدولي الإنساني، وينعقد له اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولم يكن غائباً أبداً عن أولياء أمر الانقلابيين أن تلك الجرائم لن تمر، وأن مرتكبيها لابد وأن تطالهم يد العقوبة، من جنس ما اقترفوا، أما من ارتكبوا الجرائم أنفسهم، فلم تتسع ثقافتهم، لتستوعب مدى رد الفعل الذي يمكن أن تنتجه تلك الخطايا، وأغلبهم لا يجيد شيئاً، سوى بعض التدريبات العضلية، بدءاً من قائد الانقلاب، وانتهاءً بصغار الضباط، وجاء أداؤهم خارج السياق، حتى إنهم لم يجيدوا فنيات الاعتقال والضبط، فاغتصبوا المعتقلات، وغللوا الأطفال وحبسوهم، ومثلوا بالجثث ودفنوها، من دون تكريم ولا جنازة.
ربما تكون أميركا قد خافت الانفجار المفاجئ، فاستدعت وسيلة من وسائل مقاومة الحرائق في الغابات المدارية، وهي أن تحرق طوقاً حول الغابة التي فيها الحريق بتصرف، أي تحرق ذلك الطوق، وتطفئه فوراً، فتصبح مساحة الطوق جرداء. حتى إذا أتت عليه النار، لم تجد شيئاً، فلم ينتقل الحريق إلى خارج ذلك الطوق. ربما هذا ما تقوم به أميركا، الآن، في استدعاء ثورة مبتسرة، يمكن السيطرة عليها، قبل أن تنفجر ثورة كاملة، لا تبقى ولا تذر، إنه ثقب في إناء يغلي، وهو محكم الإغلاق، لتنفيس البخار، قبل أن يصل به الأمر إلى حد الانفجار.
تجاوب الشارع مع نداءات الثورة قد يخرج بالأمور عن حد السيطرة، ويفوت، بالتالي، الفرصة على رعاة الانقلاب الرسميين. درجة الغليان في الآن، هي من الصعوبة إذا تنفست أن تتوقف، لا أقول، هنا، إن عدد الإسلاميين سيزيد عما هو عليه الآن (فإن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ)، ولكن المعول عليه زيادة على من هم في الشارع، الآن، تلك الملايين التي تبعثرت أفكارها، أربعة أعوام، ثم التأمت، الآن، موقنة أن ما كان وما هو كائن محض مؤامرة.
الواضح للعيان أن أيام عبد الفتاح السيسي وزملائه أصبحت قليلة، بعد أن عاد "عشماوي الرؤساء" مستر برادعي والمتدرب الباكي مستر غنيم.

avata
avata
محمود حشله (مصر)
محمود حشله (مصر)