انتخابات تونس: نجاح ديمقراطيّ في الامتحان الأصعب

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس في العربي الجديد.
28 أكتوبر 2014
+ الخط -

لم تكن نتائج الانتخابات التشريعية في تونس مفاجئة لأحد، على مستوى المرتبتين الأولى والثانية، فقد أظهرت كل استطلاعات السنتين الماضيتين تقدّم حركة "النهضة" و"نداء تونس"، فيما يُشبه التنافس المتواصل على المرتبة الأولى. تماماً كما حصل، يوم الأحد، بينما كانت بقية الأحزاب تعمل كل ما في وسعها لمواجهة "حالة الاستقطاب الثنائي"، وتدعو إلى خطّ ثالث يكون معدِّلاً للساحة السياسية.

وكان لافتاً أن الانتخابات لم تشهد نقاطا سلبية، وأشاد جميع المراقبين الدوليين والمحليين بنزاهتها وشفافيتها. واعتبرت بعثة المجلس البرلماني الأوروبي إلى تونس، أن "الانتخابات التونسية كانت ذات مصداقية وأن التجاوزات الحاصلة فيها، كانت محدودة ولا تؤثر على النتائج". ودعت البعثة الأحزاب التونسية إلى قبول نتائجها. وبدوره أشاد "مركز كارتر" بالعملية الانتخابية وشفافيتها، وهنّأ الرئيس الأميركي باراك أوباما، التونسيين لـ "تقديمهم درس الديمقراطية المُلهم للمنطقة ككل".

وأكدت أغلب هيئات مراقبة الانتخابات مثل "عتيد" وائتلاف "أوفياء" وشبكة "مراقبون"، أن "الانتخابات كانت في مجملها مرضية". وقال رفيق الحلواني عن "مراقبون"، إنه "على الرغم من وجود بعض التجاوزات، إلا أن 80 في المائة من مكاتب الاقتراع في كامل تراب الجمهورية، احترمت الإجراءات القانونية للعملية الانتخابية".

وأوضح الحلواني أن "الشبكة رصدت وجود تجاوزات بسيطة تخصّ 15 في المائة من مكاتب الاقتراع، وخروقات جسيمة لـ1 في المائة من مكاتب الاقتراع".

وتأتي هذه الشهادات جميعها لتؤكد أن "المخالفات كانت موجودة، ولكنها لم تغيّر من شكل النتائج عموماً، على الرغم من الإخفاق الكبير الحاصل في دوائر خارج تونس، وهي مهمة، على اعتبار أنها تتعلّق بـ18 مقعداً، وبعدم تمكن أعداد كبيرة من التونسيين من الاقتراع".

ويرى كثيرون أن "اختبار الديمقراطية الحقيقي والجوهري، يتمثّل في قبول الجميع بنتائج الانتخابات، وخصوصاً المهزوم منهم". ما يُشير إلى أن النخبة السياسية في تونس ضربت موعداً جديداً مع التاريخ، وأضافت حجراً جديداً في جدار البناء الديمقراطي.

فقد سارعت أغلب قياداتها، على الرغم من خسارة البعض، بعد انتهاء عملية الاقتراع، إلى التأكيد على أنها ستحترم إرادة الشعب وقراره الذي أودعه في الصندوق.

واعتبر عدنان منصر، مدير حملة الرئيس المنصف المرزوقي، أن "التونسيين انتصروا مرة أخرى، بغضّ النظر عن نتائج الصندوق. انتصر الانتخاب على الانقلاب، وهذا أكبر فخر لنا كتونسيين. انتصرنا على من أراد هزم تجربتنا، انتصرنا على إرهاب المال والسلاح و لن يوقف أحد تحرّر التونسيين بعد اليوم. فقد أثبتنا أننا جديرون بالحرية والديمقراطية. اليوم هزمنا كل رغباتكم في العودة إلى الاستبداد، اليوم انتصرنا ".

وقال رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي، مصطفى بن جعفر، إن "القاعدة الأولى للديمقراطية تتطلّب القبول بالنتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع ". وأعرب عن "أمله في أن يكون غد التونسيين أفضل مما هو عليه".
وهنّأ المتحدث الرسمي باسم حركة "النهضة" زياد العذاري، "نداء تونس"، معلناً قبول حركته بنتائج الانتخابات.

كما أكد القيادي في "النهضة" سمير ديلو، أن "رئيس الحركة، راشد الغنوشي سيُهنئ قريباً رئيس حركة النداء، الباجي قائد السبسي، بفوزه في الانتخابات". كما هنّأت الحركة التونسيين على "نجاح العملية الديمقراطية ولممارستهم حرية الانتخاب، في مشهد يُحفّز جميع الشعوب".

وذكرت الأمينة العامة للحزب "الجمهوري"، مية الجريبي، أن "حزبها سينحني أمام ما تفرزه صناديق الاقتراع وما قرره التونسيون". وأضافت أن "الجمهوري سيواصل نضاله في سبيل تونس أفضل". ولفتت إلى أن "كل الأحزاب الوسطية والحداثية تقريباً، قد تعيش وضعاً صعباً، وقد يكون المال السياسي أدّى دوراً كبيراً في الانتخابات".

وكتب القيادي في "نداء تونس"، محسن مرزوق، على صفحته على موقع "فيسبوك"، "أنحني أمام شعبي بنسائه ورجاله الذين صاروا متخصّصين في كتابة التاريخ وأحداثه العظيمة. لقد صبروا وقاوموا وناضلوا وفرضوا إرادتهم وغيّروا موازين هائلة".

وتابع "ما فعله الشعب التونسي يجب أن نترجمه في نداء تونس بلغة واحدة: التواضع والإحساس الكبير بالمسؤولية، وأن نفهم أنّ ما حصل هو تكليف صعب لنا وليس تشريفاً أبداً. لذلك يجب الاستعداد للعمل وتوحيد الأمّة وتجنّب الغرور بكلّ أصنافه، لأن الوطن فوق الأحزاب".

وأشار رئيس حزب "المبادرة" والمرشح للانتخابات الرئاسية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، كمال مرجان، إلى أن "نجاح الانتخابات التشريعية، يُعدّ أكبر ردّ على من يحاولون إرباك المسار الديمقراطي الذي انتهجته تونس". وأكد على "ضرورة قبول الجميع بما ستفرزه صناديق الاقتراع مهما كانت النتائج".

واعتبرت القيادية في "التيار الديمقراطي"، سامية عبو، أن "الشعب التونسي أثبت اليوم أنه شعب متحضّر، وأثبت مواطنيته بشكل جلي، وعلى السلطات احترامها". وأضافت أنها "ستُدافع عن هذه المواطنة من أي موقع كان". وأعلنت قبول حزبها النتائج، ومشيرة إلى أن "نجاح النهضة والنداء يُمكن أن يُشكّل عودة للاستبداد".

ورأى المتحدث باسم حزب "التكتل"، محمد بنور، أن "هذه الانتخابات هي الأولى في العالم العربي والإسلامي، التي لا تُعرف نتائجها مسبقاً". وشكر الحكومة والأمن والجيش على الصورة التي أعطاها للعالم عن حياديتهم ودفاعهم عن قيم الجمهورية".

وأكد بنور على "أهمية المسار الذي قاد إلى هذا العرس الانتخابي"، وأنه "على الجميع الاعتزاز بما سُجل، على الرغم من عدم مشاركة نحو 40 في المائة من الناخبين، وعلى الجميع الانتباه إلى هذا الموقف".

ودعا إلى "المحافظة على المكسب الأساسي، وهو القبول بنتائج الانتخابات ومبدأ التداول السلمي على السلطة". واعتبر أن "بعض الأحزاب التي لا تمتلك رصيدا شعبيّا، استعملت المال السياسي في هذه الانتخابات، وربما تحقق بعض المكاسب الانتخابية، ما أعتبره عاراً عليها". ويقصد بنور حزب "التيار الوطني الحر" الذي يترأسه رجل الأعمال، سليم الرياحي، الذي شكّل مفاجأة الانتخابات التشريعية على غرار حزب "آفاق تونس".

ولم يكن الحزبان من ضمن المرشحين المحتملين في نيل مراكز متقدمة في الانتخابات، على الرغم من بعض الإشارات القوية التي أتت من مناطق شعبية وفئات اجتماعية لها دلالاتها الرمزية.

ويذكر الصعود "الصاروخي" لحزب "التيار الوطني الحر"، بنجاح "تيار المحبة" في الانتخابات الماضية، والذي أعلن رئيسه من لندن، الهاشمي الحامدي، انسحابه من سباق الرئاسة، لأنه لا يتمتع بكتلة نيابية تُمكّنه من تنفيذ برنامجه الانتخابي".

ويُعتبر تراجع حزبيْ "التكتل" بزعامة مصطفى بْن جعفر، و"الجمهوري"، برئاسة أحمد نجيب الشابي، مؤشراً مهماً على تغيّرات عميقة طرأت على فكر الناخب التّونسي، الذي قرّر رسم خارطة سياسية جديدة للسنوات الخمس الآتية، لا يعني بالضرورة أنه لن يغيّرها مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية والبلدية.

في المقابل، دفع حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، حزب المرزوقي، ثمن تشظّيه وانقساماته المتلاحقة، التي أدت إلى تأسيس أربعة أحزاب أخرى أسسها المنشقون عنه، وتقاسموا معه الخطاب عينه خلال الحملة. وعلى الرغم من تقدمه النسبي في بعض الدوائر الكلاسيكية، التي يحظى فيها بشعبية كبيرة، غير أن اعتماده استراتيجية انتخابية غير واضحة بالشكل الكافي، لم توافق المزاج العام، فضلاً عن أنه تأخر في إطلاقها مقارنة ببقية الأحزاب.

أمّا "الجبهة الشعبية" التي تضمّ عدداً من القوى اليسارية، فقد حققت نسبة معقولة بالنظر إلى واقع الساحة السياسية اليوم، عكس الآمال الكبيرة التي وضعها قياديوها، بالنظر إلى طول انتظار التونسيين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي تحديداً.
ويرى كثيرون أن "الجبهة لم تبلور مرحلة الانتظار بالشكل الذي يجعل خطابها واضحاً لدى فئات كثيرة محسوبة على الطبقة الوسطى، وما فوقها، بالإضافة إلى المجهود الكبير الذي بذلته في هذا الاتجاه مع أصحاب المهن الحرة". ولكن تبقى النسبة المُحقّقة مرضية إذا استثنينا مزاحمة "التيار الوطني الحر" لها.

واستقبل عدد كبير من أنصار "النهضة" ومن بعض المتابعين لها، تقدم "نداء تونس" كهزيمة للحركة، في حين أن الأمر مخالف تماماً للحقيقة، فقد استطاعت "النهضة" أن تحافظ على مكاسبها الانتخابية، وتدعمها في بعض الدوائر، في ظلّ تراجع حليفيها السابقين في الترويكا، "المؤتمر" و"التكتل"، وهو ما يعني أولاً أن قواعدها بقيت وفية لها من ناحية، ولكنه يعني أيضاً أن تجديد خطابها واعتمادها الحسم في بعض القضايا الكبرى، قد مكنها من البقاء كقوة سياسية كبرى من ناحية، وككتلة نيابية لا سبيل للالتفاف عليها، ما يفتح باب المراهنة على التحالفات المقبلة على مصراعيه في الأيام المقبلة.

ذات صلة

الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح. 
الصورة
مسيرة في تونس ترفع شعارات الثورة التونسية، 24 مايو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

رفعت شعارات الثورة التونسية "شغل حرية كرامة وطنية" في احتجاج شبابي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، تعبيراً عن رفض ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
الصورة
طلاب من جامعات تونس في حراك تضامني مع غزة - 29 إبريل 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

انطلق حراك طلاب تونس التضامني مع غزة والداعم للانتفاضة الطالبية في جامعات العالم، ولا سيّما في جامعات الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من العاصمة ومدن أخرى.
الصورة
مطالبة بإنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة (حسن مراد/ Getty)

مجتمع

يسعى أساتذة في تونس إلى تعويض غياب العملية التعليمية الجامعية بالنسبة للطلاب الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي، من خلال مبادرة تعليمية عبر منصات خاصة.

المساهمون