الصحراء.. مسألة حدود أم قضية وجود؟

الصحراء.. مسألة حدود أم قضية وجود؟

10 ابريل 2016
+ الخط -
في خضم التجاذبات الأيديولوجية لستينيات القرن العشرين وسبعينياته، وفي مرحلة حساسة من مراحل فك الربط بين المستعمَرات والمستعْمِر، ظهرت مسألة الصحراء الغربية (المغربية) إلى الوجود الإقليمي، ثم الدولي؛ ساحة للصراع بين الإيديولوجيات القائمة آنذاك، والمتمثلة دولياً في الصراع بين القطبين الغربي والسوفييتي، وعربيا في الصراع بين الأنظمة القومية والأنظمة الملكية، وكانت كذلك من أشكال اللاّاستقرار في المستعمرات السابقة.
ما تهمنا، هنا، مسألة إدارة الصراع وتدبيره في مرحلة السلم، لأن إدارة الصراع في مرحلة السلم تكون أخطر منها في وقت الاقتتال، حيث الحسم رهن بالجيوش والترسانة الحربية لأطراف الاقتتال والتحالفات، أي أن التفاوض السياسي يصبح نوعاً من الترف في إدارة الصراع.
مرحلة السلم التي تأتي بعد الحرب، هي تسليح وتعزيز للترسانة الحربية للدول والتنظيمات، على حد سواء. وهي كذلك مرحلة البحث عن الولاءات الجديدة، وتعزيز الولاءات القديمة، وهي مرحلة الدسائس ومحاولة توريط الآخر في ظل وضع يحتفظ بكل مقومات الصراع، باستثناء وقف إطلاق النار، وهذا ما يجب على المغرب أن يدرك أهميته واستمراريته في تدبير المشكل. وسواء تعلق الأمر بمسألة حقوق الإنسان في الصحراء، أو الاغتناء من المساعدات الدولية في المخيمات، أو استغلال الثروات المعدنية والبحرية للمناطق الصحراوية، أو التحالف مع التنظيمات الإرهابية وشبكات ترويج المخدرات في المنطقة، أو سعي الجزائر إلى الحصول على منفذ بحري لها على المحيط الأطلسي، فهي تدخل في إطار كسب الدعم الدولي لطرفي النزاع.
على المغرب أن يعزّز قوته العسكرية، نوعاً من الردع القائم على الترهيب، بحيث يكون الطرف الآخر في وضع لا يمكّنه بأي حال التفكير في التهديد برفع السلاح كنوع من الابتزاز. وعلى المغرب أن يركز أيضا في تدبيره الصراع على الوضع الداخلي، والقائم على الريع الاقتصادي والسياسي في المناطق الصحراوية، فالريع يضمن الولاء المؤقت لبعض النخب الصحراوية، وليس بالضرورة الولاء الدائم. بل إن بعضهم يستعمل نفوذه داخل القبيلة لافتعال مشكل، من قبيل مظاهرات في المناطق الصحراوية، سعياً إلى ابتزاز الدولة، عبر الحصول على امتيازات اقتصادية مقابل التدخل لدى المتظاهرين الصحراويين.
وبما أن المغرب مستقر في صحرائه، فإن الاستثمار في البنيات التحتية بامتياز، لا بد منه لإزالة كل لبسٍ قد يستحضر الشك في مصير المنطقة، فلا ينبغي التهاون في هذا المجال، ولتكن المحاسبة الصارمة في تنفيذ المشاريع الكبرى في المنطقة بعيدا عن الريع السياسي والاقتصادي. فالطريق السيار والسكة الحديدية أصبحتا ضرورة ملحة في المنطقة، لما لهما من أهمية في تعزيز الاقتصاد والسياحة وسرعة التنقل وسعياً إلى الانفتاح على دول الساحل الغربي لأفريقيا. كما أن التسهيلات الضريبية لا بد منها لتشجيع الاستثمارات الوطنية والدولية في الاستقرار في المنطقة، وكذلك إقامة مناطق للتجارة الحرة، سعياً إلى تعزيز قطب اقتصادي في الأقاليم الصحراوية، وهو ما يتطلب استراتيجية شاملة واستثمارات هائلة.
يجب الانتباه إلى اغتناء صحراويين من توليهم رئاسة جماعات حضرية أو قروية أو مجالس إقليمية، ما يشكل نوعا من الاحتقان الاجتماعي الناتج عن الفساد في إنجاز مشاريع التهيئة الحضرية للمدن الصحراوية، حتى بات بعضهم في المناطق الصحراوية يتبجح بحقه في سرقة أموال الدولة، بدعوى أنها أموال الفوسفات والثروة السمكية للمنطقة.
الصرامة مع كل أشكال الفساد هي الحل الوحيد الذي سيجعل المواطنين يشعرون بنوع من الرضى في تدبير شؤونهم، فما نراه في الواقع نوع من الاستعلاء على الدولة وأجهزتها المختلفة، فالثروات الهائلة لبعض الصحراويين ناتجة عن التهريب والاتجار بالمخدرات والريع الاقتصادي والفساد المالي الناتج عن التسيير السياسي للجماعات والمجالس الإقليمية.
الصراع القائم الآن في الصحراء هو بالدرجة الأولى صراع إقليمي بين المغرب والجزائر، لكن له تداعيات إقليمية وامتدادات دولية تدخل في إطار زعزعة الاستقرار في مناطق استراتيجية من العالم. وهنا، تكمن ضرورة تنويع الحلفاء الاقتصاديين والسياسيين وكذا العسكريين.
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)