الإسلاموفوبيا والعنصرية اليمينية

الإسلاموفوبيا والعنصرية اليمينية

13 ابريل 2015
+ الخط -
"أتفهم القيمة المضافة التي يمثلها المهاجرون ذوو الأصول اليهودية أو الصينية بالنسبة للاقتصاد البلجيكي. لكن، لا أجد أي قيمة مضافة يقدمها ذوو الأصول المغربية أو الجزائرية". (ثيو فرانكلين وزير الهجرة واللجوء البلجيكي).

من السخف أن يكتب وزير بلجيكي مثل هذه التفاهات اليمينية الإقصائية والاستئصالية في حق المغاربيين، يثبت الواقع أنها عارية عن الصحة. ففي سنوات الهجرة الأولى نحو أوروبا؛ حيث كان العمال المغاربيون أكثر من ساهم في بناء الطرق والأنفاق، وتشييد المباني والمصانع والمناجم. واعتلى الجيلان، الثاني والثالث، من أبناء المهاجرين، بفضل التعليم، مراكز مهمة في المستشفيات والشركات والإدارات والبلديات، ومنهم أعضاء في الهيئات المنتخبة... لذا، يحق لنا أن نتساءل عن سبب إطلاق مثل هذه التصريحات المستفزة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2010، صرحت مارين لوبين أن "أداء المسلمين صلواتهم في الشارع أشبه بالاستعمار النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية".
إنها مفارقة عظيمة أن يكون عدد الجنود المسلمين الذين قتلوا دفاعاً عن فرنسا، في الحرب العالمية الأولى 70 ألف جندي. و16.600 جندي مسلم قتلوا دفاعاً عن فرنسا ضد النازية الهتلرية، خلال الحرب العالمية الثانية. لكن، لا نستغرب إذا علمنا أن مارين لوبين ولدت بعد أكثر من عقدين من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالضبط سنة 1968؛ وهي، بالمناسبة، سنة قيام ثورة الطلاب الراديكالية في فرنسا. وهي الثورة التي دعت إلى نسف كل الثوابت الأخلاقية والثقافية والفلسفية والاجتماعية والسياسية التي كانت قائمة. ومنذ تلك الثورة، ابتليت فرنسا بمثقفين وسياسيين وإعلاميين سقطوا في مستنقع ثقافي انفصامي مريض، ومتعالٍ على ثقافات العالم الأخرى؛ بل ومحتقر لها.
يلجأ اليمين المتطرف إلى أطروحات راديكالية متوجسة من المهاجرين والمواطنين المسلمين، وصفوهم بالإرهاب والرغبة في اجتياح الدول الأوروبية. "جاءوا ليأخذوا خبزنا". فمن خلال إلباس المسلم لبوس الإرهاب والتطرف والانحراف، تأجج المشاعر الوجدانية الجياشة لبعض الأوروبيين ذوي البشرة البيضاء، أو ممن  يدّعون، باطلاً، انتماءهم للعرق الصافي، غير المدنس بألوان مواطني المستعمرات السابقة الملونين والمهجنين. 
"لسنا ضد المسلمين. ولكن، لا نريد مسجداً يقع مباشرة أمام مكان إقامتنا". إنه منطق عجيب في الاستدلال المنطقي. أنا لست ضدك، لكني لا أقبل بك. يقول المؤرخ الصادق سلام: "لا شك في أن التيار العلماني المتطرف ساهم في انتقال الرأي العام من خشية التطرف الديني إلى اتهام الديانة الإسلامية كلها".
المزايدات الكلامية التي تتعلق بالإسلام والهجرة والاندماج، خصوصاً في الفترات الانتخابية، تؤدي إلى التشكيك في ولاء الجاليات المسلمة للدولة الفرنسية، على الرغم من أن أغلب المسلمين الذين يعيشون في فرنسا يحملون الجنسية الفرنسية. بل وصل الأمر بإريك زمور؛ الإعلامي الفرنسي المتطرف من أصل يهودي جزائري، إلى التشكيك حتى في ولاء وزيرة التربية الفرنسية من أصل مغاربي، نجاة بلقاسم، بسبب جنسيتها المزدوجة الفرنسية والمغربية. وزمور نفسه هو من وصف الشبان المهاجرين بأنهم تجار مخدرات وسارقو سيارات وزوار سجون. وهو الذي طالب، في حوار أجرته معه جريدة "كورييري ديلا سيرا" اليمينية الإيطالية، بترحيل المسلمين، ورجوعهم إلى بلادهم، لأنهم مصدر للفوضى، ولا يريدون العيش بحسب "الأسلوب الفرنسي". وهو ما صرح به نيكولا ساركوزي، في لقاء في مدينة نيس الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول 2014: "إن الهجرة تهدد أسلوب عيشنا". وكأن الأسلوب الفرنسي في العيش هو كل ما يلزمك لتكون مواطناً فرنسياً حقيقياً.
وإذا كان الأسلوب الفرنسي نفسه من التنوع والثراء، بحسب المناطق المختلفة من فرنسا، فعن أي أسلوب عيش، يتحدث ساركوزي وزمور؟ 
هذا الاستدلال المتهافت لا يعدو أن يكون سوى شماعة يعلق بها زمور وساركوزي وميشيل ويلبيك وألان فنكلكروت، وغيرهم من اليمينيين أطروحاتهم الإقصائية المتطرفة.
لا نشك في أن فرنسا قد أنجبت، وما زالت تنجب، فلاسفة ومفكرين متنورين وعادلين في حكمهم على الظواهر الثقافية والفلسفية والاجتماعية التي تعرفها فرنسا والعالم. ويتسمون بالموضوعية في تناولهم هذه الظواهر، بعيداً عن الفرقعات الإعلامية في صحف ومجلات، تقتنى لترمى في أقرب سلة مهملات، وبعيداً عن برامج "التوك شو" التي تنشد الانتشار وحشد المشاهدين بأي ثمن، وأخيراً بعيداً عن الحملات الانتخابية التي تنتهي، في آخر المطاف، بنكث العهود والفشل في البرامج الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة، لتلحق تهمة الفشل بالمهاجرين والمسلمين من جديد، في دورة "سيزيفية" مملة.
صرح الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أنه "ما من أحد ينبغي أن يهدد أو يعتدى عليه بسبب دينه أو معتقداته". لكن، يبدو أن المسلمين يعدون استثناء في دولة تحمل شعار (الحرية، المساواة والإخاء).

03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)