الأردن: قانون منع الإرهاب وربيع "الأجهزة"!

الأردن: قانون منع الإرهاب وربيع "الأجهزة"!

19 يونيو 2014

مجلس النواب الأردني في إحدى جلساته (مارس/2014/فرانس برس)

+ الخط -
لا يقف مع الإرهاب، بمفهومه المنطقي الذي يعني ترويع الناس، وتقويض السلم الاجتماعي، وتهديد الأمن الوطني، إلا إرهابي. لكن، ثمة فرق واسع بين هذا المفهوم المستوعَب وتحويل المواطن إلى متهم بالإرهاب، حتى تثبت تبرئته.
قانون منع الإرهاب الذي أقر أخيرا في الأردن، واتخذ صفته القطعية، بعد نشره في الجريدة الرسمية، يبعث قشعريرة في الأطراف، ليس فقط، كما قال مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين، لأنه يقيد حرية التعبير، بل لأنه يكاد يلغيها من أساسها، خصوصاً إذا جرى تفعيل النصوص التي تضمنت عبارات فضفاضة، تحتمل التأويل والتفسير، على أي نحو أراد المُؤوِّل، ولم يكن غريباً، بعد إقرار هذا القانون، أن نقرأ، مثلاً، ما كتبه أحدهم: "احذر قد تصنف إرهابياً إذا قمت بالأعمال التالية: تدخين سيجارة، أو تسجيل إعجاب لصفحة ذات توجه إسلامي على "فيسبوك" أو انتقاد تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر، أو حتى انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على سبيل المثال!"، فقد سرت حالة من الذعر في أوساط الكتاب والصحفيين، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن، لأنهم غدوا في مرمى "التجريم" الفضفاض الذي يوفره القانون، إن أراد من أراد.
وهنا، ثمة ما يقال، فهذا القانون ربما لن يُشهر في وجه أيٍّ كان، بل سيكون كالسيف في غمده، ويمكن أن يحز رقبة من يستهدفه ما يسمى "حزب الإدارة العامة"، وسيلة ناجعة لتصفية الخصوم السياسيين، والنشطاء الذين قد يسببون "صداعاً" لمؤسسات الحكم.
يكفل الدستور الأردني حرية الرأي والتعبير، ويحظر سن أي تشريعات تتعارض مع الحقوق الأساسية للمواطن، إلا أن ما ورد في بعض نصوص القانون يساوي بين من يرتكب الجرم ومن ينقله عبر وسيلة إعلام، وهو أمر غير مقبول قانونياً وتشريعياً. ولهذا، ننظر باحترام كبير لموقف مجلس نقابة الصحفيين، في قوله إنه يدرس الخطوات القانونية اللازمة لتعديل هذا القانون، بما يزيل أي لبس فيه، أو عبارات تحتمل التأويل والتفسير، والحقيقة أن أمرا كهذا لن يتم إلا بتضافر جهود كل القوى الوطنية في الأردن، والتي ترى في قانون "منع الإرهاب" نوعاً من الإرهاب، لا يستوي أبدا مع خطاب الإصلاح، الذي ما انفك يقرع آذاننا صباح مساء، في مفردات التصريحات الرسمية، على الرغم من أننا نعتقد أن جهدا كهذا ربما لن يكتب له النجاح بسهوله، خصوصاً بعد أن عادت القبضة الأمنية إلى سابق عهدها، في مرحلة ما قبل الربيع العربي، ما بدا واضحا في أن "ربيع الأجهزة الأمنية" عاد بكل قوة، بعد الالتفاف على كل أو جل ما أفرزه ربيع الشعوب من قيم الانفتاح والحرية.

شخصيات إعلامية وحقوقية كثيرة في الأردن استُنفرت، وعبرت عن قلقها من هذا القانون الذي يساوي وسائل الإعلام والإعلاميين مع حاملي الأسلحة والرشاشات، خصوصاً مع تصريح وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة، محمد المومني، بإمكان تطبيق القانون على المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام (!)، كما حذرت هذه الشخصيات، في غير مكان، من التشريعات التي تتعامل مع وسائل الإعلام والإعلاميين، انطلاقا من فلسفة التقييد، وليس الإباحة؛ إذ يتضمن القانون نصاً يعتبر "أي استخدام لنظام المعلومات، أو الشبكة المعلوماتية، أو أي وسيلة نشر، أو إعلام، أو إنشاء موقع إلكتروني، لتسهيل القيام بأعمال إرهابية، أو دعمٍ لجماعة، أو تنظيم، أو جمعيةٍ، تقوم بأعمال إرهابية، أو ترويج أفكارها، أو تمويلها، أو القيام بأي عمل من شأنه تعريض الأردنيين، أو ممتلكاتهم، لخطر أعمال عدائية، أو انتقامية، تقع عليهم بمثابة عمل إرهابي محظور" .. وهذا نص مفتوح، متسع باتساع الأفق، ويمكن لكل نَفَس، أو أنّة، اعتباره، أو اعتبارها، عملاً يعاقب عليه القانون، بل ثمة مخاوف مشروعة باستخدام عبارات القانون الفضفاضة، لملاحقة نشطاء ومعارضين سياسيين، ينشدون التغيير والتعبير عن الرأي، بصورة سلمية وديمقراطية. ويلاحظ، هنا، مثلاً، أن القانون لم يعط تعريفاً محدداً لكلمة "إحداث فتنة" الواردة في القانون، ما يجعل كثيرين يعتقدون أن القانون شكل إطاراً قانونياً، يقصد منه تجريم كل أشكال التعبير عن الآراء المعارضة للسياسات الحكومية، وهو أمر يتعارض مع الدستور الأردني، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وقد اعتبرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأميركية "هيومن رايتس ووتش"، في بيان سابق لها عن القانون، أن الأردن لا يحتاج تقييد حرية التعبير لمنع الإرهاب؛ إذ لا تضارب بين مسؤوليات الأردن في الحفاظ على مواطنيه وعلى حقوقهم!
لم يأت قانون منع الإرهاب في الأردن لمنع الإرهاب الذي لم يضرب الأردن منذ تفجيرات الفنادق في التاسع من نوفمبر/تشرين ثاني 2005، حيث وقعت ثلاث عمليات تفجير باستخدام أحزمة ناسفة، استهدفت ثلاثة فنادق في عمّان، ولم تكن البلاد في حاجة لمثل هذا القانون، مع وجود ما يجرّم عمليات الإرهاب في قانون العقوبات، بل جاء هذا القانون لإرهاب المعارضين، وتوسيع صلاحيات محكمة أمن الدولة، وليكون سلاحاً في يد السلطة، كلما دعت الحاجة!
الأردن، اليوم، في حاجة لجهد كبير لوقف أي آثار سلبية تترتب على هذا القانون، الغريب العجيب، والذي أقره البرلمان بغرفتيه، النواب والأعيان، بطرفة عين!

 

دلالات

A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E
حلمي الأسمر

كاتب وصحافي من الأردن