مع غزّة: أمجد الزعبي

11 مايو 2024
أمجد الزعبي
+ الخط -
اظهر الملخص
- الباحث الأردني يشارك تجربته الشخصية حول تأثير العدوان على غزة على حياته وإنتاجه الإبداعي، مقارناً الأحداث بمشاهد تاريخية دموية ومعتبراً العدوان موتاً بطيئاً يعيشه يومياً.
- يؤكد على ضرورة العمل الإبداعي في مواجهة العدوان وينتقد تأخر المثقفين والمبدعين العرب عن دعم القضية الفلسطينية، مشدداً على أهمية تقديم مشاريع تعالج هذا التقصير وتبين خطر الصهيونية.
- يختتم بالتأكيد على دور الإبداع والوعي في تحقيق التغيير، معبراً عن إيمانه بعالم أفضل بدون الكيان الصهيوني وأهمية الصمود والمقاومة، موجهاً رسالة تضامن مع أهل غزة وتحية للطفلة دارين البيّاع.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "ثمّة ساحة يمكن العمل عليها وتفكيكها لتبيان خطر الصهيونية العالمي على كلّ شعوب الأرض"، يقول الباحث الأردني.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- ليس هاجساً يأتي ويذهب بقدر ما هو ألم وتشظّ ينخر أعماقك وعظامك، ينقرُ في رأسك ويحرق أحشاءك. يعيدك لقراءاتك الأُولى لـ الحملات الصليبية في مذبحة القدس، كأنك تقف بين الجموع التي قام الصليبيون برصّها في القدس ليُعملوا القتل سبعة أيام ولياليها، لم يتركوا شجراً ولا حجراً إلا وخضّبوه بالدم، شلال هادر راح ضحيتَه سبعون ألفاً ويزيد. كنت، وأنا اقرأ، أراني أنزفُ بينهم، أسمع صراخ الطفل وأنين الأم وحسرة الرجل وعجزه. فما بالك بالحملات الصهيونية التي تتواصل في بثّ حيّ ومباشر، وفاقت إجرام المغول والصليبيّين، هتلر نفسه لو كان حيّاً لاستنكر هذا الإجرام. ليس هاجساً يا سيدي. إنه موت بطيء، كيف لمثلِ هذا الموت البطيء أن يتوقّف؟ كيف لك أن تفكّر وأن تقرأ وتكتب؟


■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- أعتقد أن المثقف والمبدع العربي، وأنا منهم، متأخّر بأشواط عن نبض الشارع الذي في الأصل هو قائده، لكني أرى غياباً لما يُسمّى بالطلائع: أحزاباً ومفكرين ومبدعين. مضى زمن طويل منذ ما سُمّي بـ"مفاوضات السلام" في مدريد ونتائجها الكارثية على مسيرة النضال للتحرّر من الاحتلال الغاشم، فتمّ الترويج للتطبيع والتنازل عن الثوابت عن سبق إصرار وترصّد، ولا أستثني أحداً.

ويحضرني الزير سالم عندما قال: "سلام بلا خيول ولا سيوف"، ليذكّرنا أحرار العالم اليوم أن فلسطين من النهر الى البحر، وألّا حرية في هذا العالم دون حرية فلسطين، وأنّ هناك قضية عادلة في هذا العالم تستحق أن نموت من أجلها.
العمل الإبداعي ممكن لنكون أوفياء لقضيتنا، فما زالت هناك أكوامٌ من الوثائق التي تحتاج للعمل عليها في إطار نشاط الحركة الصهيونية العالمية. نحن ركّزنا على نتاج الحركة؛ هذا الكيان المسخ، وتركنا ساحة يمكن العمل عليها وتفكيكها وتبيان خطرها العالمي على كلّ شعوب الأرض.

ثمّة تساؤلات تشكلّ تحدياً: كيف قاربنا قضايا الشعوب التي وقفت معنا، مع قضيتنا معرفياً وفكرياً؟ بتُّ الآن مشغولاً بقضية الشعب الأيرلندي، وكيف يمكن أن تقدَّم هذه القضية للقارئ العربي؟ ما حجم الأبحاث والكتابات العربية عن قضية تحرّر جنوب أفريقيا؟ أشعر بكل هذا التقصير، لكن أعمل على مشروع في هذا الاتجاه خلال المرحلة المقبلة.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- الوعي والإبداع ليسا خياراً، هما حالة من الاشتباك الدائم في البحث عن الذات التي تتجاوز الأنا الضيقة. وهذا له ضريبته الثقيلة، فحالة الاشتباك تتطلّب منك موقفاً بالضرورة هو سياسيّ نضالي، وتتقاطع بالضرورة مع الآخرين الساعين إلى الغاية والهدف نفسيهما في بعدهما الأخلاقي الإنساني، فلا إبداع بلا حرية، ونفْس الحرّ تضيق في أفق ينسدّ بغيوم القتل والدمار والتهجير. أن تختار مسارك وأنت تعلمُ صعوبات هذا المجال، والجهد الذي تبذله في عالم عربي تهاجر فيه العقول، هو خيار صعب؛ فالإنسان المبدع في عالمنا غير مقدَّر، وعند يموت يجد تكريماً هزيلاً له هنا وهناك. المسيرة الإبداعية تحتاج إلى حاضنة قادرة على تأطير هذا الإبداع وبعثه في نفوس الشباب.

المثقّف والمبدع العربي متأخّرٌ بأشواط عن نبض الشارع

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- التغيير تراكمي ومسيرة من الحراك المتواصل؛ فالتاريخ يعلّمكَ أنّ حركته بطيئة مقارنة بعمر الإنسان، فما بين مذبحة القدس في الحملة الصليبية الأُولى عام 1096 حتى تحرير القدس سنة 1187، مرّ واحد وتسعون عاماً، ومن تحرير القدس حتى خروج آخر صليبيّ عام 1291 من عكا، مضت 104 أعوام. خرجوا وكأن لم يكونوا أبداً. والكيان الصهيوني يعي ذلك، ويعلم أنه إلى زوال، لذا ترى كلّ هذا الإجرام والدموية. فالسابع من تشرين الأول/ أكتوبر أثبت هشاشة هذا الكيان. القادم بالضرورة نهاية لهذا الكيان، والعالم بدون هذا الكيان هو عالم بالضرورة أفضل وأرحب.

التحديات كبرى في عالمنا، لذا يجب أن تكون الاستجابات مساوية لهذه التحديات، فالأقليّّة المبدعة هي بالضرورة القادرة على إحداث التغيّر الكبير في العالم، بشرط وعيها الذاتي لآليات الصراع والمتناقضات. وحسب اعتقادي، فإن الأجيال الشابة كاسرة لكل التابوهات التي تخصّ الدين والسلطة، لكن بطريقة سلبية، فمن الواجب على الفئة المثقفة والمفكرة إعادة توجيه هذه الطاقات بطريقة إيجابية، وهذا لن يتمّ إلّا بمشروع كبير يستطيع استيعاب كلّ ذلك في حالة التحرّر الذاتي.

هناك تجربة يجب إعادة قراءتها من جديد في ظل انكسار حالة الربيع العربي. ففي العالم العربي حالة جديدة تنبئ عن مشروع عظيم في ظلّ "طوفان الأقصى". الإنسان العربي مثقل بموروث يريد إحياءه؛ وهذا يجعله أسير هذه العباءة الكبيرة، وما يحتاجه من هذا الموروث رؤية استشرافية قادرة على أن تعيده لمساره الصحيح، فغنى الموروث بقدرته على التجدّد وليس الإحياء، والمعركة الحقيقية يخوضها إنساننا العربي في حياته اليومية مع الجوع والفقر والبطالة وانعدام العدالة، بالرغم من ذلك، هذا الإنسان يصطف وبوصلته فلسطين، كلّ فلسطين.  


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟

- بلا تردّد ناجي العلي، ابن قرية الشجرة التي هُجّر أهلُها قسراً عام 1948، وابن النكبة، صاحب أيقونة حنظلة المبشّر بالأمل، قلبه على ريشته، لم يعرف الضعف والانحناء. هذا الذي أكله الذئب على حين غرّة، حفَر في أذهاننا شعاعاً أقوى من كلّ الأسلحة، وصبّ جام غضبه على النكسة وعلى الكروش والعروش، وحمَل قضيته بكلّ هدوء وأدار معركة من أصعب المعارك. ماذا أقول لك ورسمك ما زال يحرّضنا مبشّراً بالأمل القادم. ما زال حنظلة بكلّ وعيه، فالسلام عليك يوم وُلدت ويوم قُتلت ويوم تبعث حيّا.

العالم دون الكيان الصهيوني سيكون أفضل وأرحب بالضرورة

■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- أستحضر في هذا المشهد الدامي مسيرة الرسول العربي الكريم وحصاره في شِعب مكة، وقول الرسول لآل ياسر: "صبرا آل ياسر إنّ موعدكم الجنة". فصبراً أهل غزّة فهذا ثمن العزّة، ثمن عزيز تدفعونه في كلّ لحظة نيابة عن المستضعفين في الأرض، أمام آلة الإجرام الصهيوأميركية، الصهيوبريطانية، الصهيوفرنسية، الصهيوألمانية، بالتحالف مع نظام عربيٍ استكان وهان ورهَن مصيرنا بيد العم سام.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- صغيرتي يا عصفورة الصبح، يا من غرّدتِ وسط الركام والدمار. نحن يا حبيبتي شركاء في الصمت والضعف والجبن، لن أجرؤ على طلب الغفران والسماح. لا تسامحينا.. اطلبي القصاص منا جميعاً؛ لا عذر لنا، قدماك الصغيرتان تعلو فوق كل الرؤوس، شجاعتك فاقت كل أدعياء الشجاعة. صغيرتي، سيأتي يوم، اصرخي في وجه الجميع، كوني لذاك اليوم قوية.



بطاقة

باحث أردني من مواليد عام 1971. حاصل على الدكتوراه في تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر عن أطروحته "تجربة الوحدة الألمانية من خلال برلمان فرانكفورت: 1848 - 1849". من كتبه ودراساته: "هربرت صموئيل وتأسيس إمارة شرقي الأردن: 1920 - 1925" (2002)، و"أثر الثورة الفرنسية وحكم نابليون على ألمانيا: 1789 - 1815" (2010)، و"الآخر في فكر الأمير عبد القادر: دراسة في فتنة دمشق 1860" (2016)، و"حركة الشباب الهيغلي 1829 ـ 1848" (2017)، و"التطوّر السياسي لمفهوم الجماعة في القرن الأوّل الهجري" (2018)، و"التغلغل الألماني في الدولة العثمانية من خلال الاستشراق في الربع الأخير من القرن التاسع عشر" (2018).

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون