هاري ستايلز... أزياء تغطّي جسداً على شكل علامة استفهام

هاري ستايلز (Getty)
18 سبتمبر 2020
+ الخط -

تأخذ الأزياء مساحة كبيرة في عكس هوية ومعتقد وطريقة عيش الأفراد. وكما أنها عنصر جمالي، فهي أيضاً طريقة للتعبير عن ذواتنا. تصبح الأزياء، بحسب ديانا كرين ولورا بوفوني، وسيلة لإيصال معان ثقافية وقيم رمزية بعيداً عن ارتباطها بالمفهوم الاستهلاكي التي تحصرها ضمنه بعض المدارس الثقافية الماركسية، ومنها مدرسة فرانكفورت.

وضمن هذه الرؤية، ومع الجدل الدائر حول مفاهيم الهوية الجندرية، يطل هاري ستايلز، مغني البوب البريطاني، بأزياء جريئة تحمل طابعاً أنثوياً بألوانها وأقمشتها، مثيراً الجدل حول هويته الجندرية والرسالة التي يرغب بإيصالها من خلال أزيائه.

ومع وجود تيار مجدد في الأزياء من النجوم العالميين، ومنهم هاري ستايلز، الذي غدا أيقونة للموضة، نجد أنفسنا أمام مجموعة من الأسئلة حول طبيعة هذا التغيير، فهل أصبحت الأزياء الأنثوية علامة على هوية جندرية جديدة بالنسبة للذكور مغايري الجنس؟ وهل تساهم هذه الإطلالات بتغيير مفاهيم لطالما ارتبطت بالهوية الجندرية الذكورية؟ وهل تنسجم الأزياء المغايرة للتقاليد الجندرية مع روح الحركات النسوية الليبرالية التي تطالب بمساحات لاكتشاف الذات وتحدي الوصفات الجاهزة التي تملي علينا سلوكيات جندرية محددة؟

هل أصبحت الأزياء الأنثوية علامة على هوية جندرية جديدة بالنسبة للذكور المغايري الجنس

على غلاف ألبومه الأخير Fine Line، ظهر هاري ستايلز بحلة من Gucci، مرتدياً قميصاً زهرياً فاقعاً، وبنطالاً أبيض بحرياً واسع الأرجل، بأزرار على قصة الخصر المرتفعة وبحمالات. حصدت إطلالة ستايلز على الإعجاب، وباتت محوراً لحديث مجلات الموضة والمتابعين لها. تتميز هذه الإطلالة برهافة وحس أنثوي مرح نابض بالحياة بشكل فريد، يبتعد عن إعطاء إحساس القوة والسيطرة المعتاد لنجوم البوب والروك، فموسيقى هاري ستايلز تميل لمحاكاة موسيقى الروك البريطانية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات.

harry styles FINE LINE ALBUM COVER
هاري ستايلز على غلاف ألبومه الأخير "فاين لاين" (تويتر)

أثارت هذه الإطلالة وغيرها من إطلالات هاري ستايلز منذ أن أصبح وجهاً لدار Gucci الكثير من التكهنات حول هوية الفنان الشاب الجندرية. فغالباً ما يرتدي النجم الشاب أطقماً ذات ألوان زهرية وحمراء برّاقة بقصات مميزة وجريئة، وأقمشة من الحرير والشيفون اللامع.

ومن اللافت أن ستايلز أخذ يطور في مظهره ويجدد منذ أن بدأ بالغناء بشكل منفرد بعد انفصاله عن فرقته الفنية One Direction. لم يعد هاري ذاك الشاب المراهق الذي يرتدي جينزات وتيشرتات ضيقة، وتحول إلى نجم يرتاد مهرجانات أساسية في عالم الموضة مثل الـ Met Gala، إلى جوار نجوم مثل ليدي غاغا.

وفي حفل الـ Met Gala، برز ستايلز بحلة سوداء ذات قماش من الشيفون الأسود التي أظهرت أوشامه المتعددة من تحتها، وقد كان إلى جوار ملهمه في عالم الأزياء، بحسب تعبيره، المصمم أليساندرو ميشيل. بالإضافة لذلك، فقد طلى هاري أظافره بألوان متعددة كما اعتاد أن يفعل في أكثر من ظهور له. وفي أدائه لأغنية Falling، تناغمت الأغنية الحزينة مع بدلة من الدانتيل الأبيض وقفازات وعقد من اللؤلؤ الأبيض. وتوحي هذه الإطلالة بأنها مأخوذة من مشهد لسيدة حزينة على فراق حبيبها أو لعروس تودع فرحةً تنتظرها.

هاري ستايلز في حفل Met Gala (مات وينكلماير/Getty)

طريقة ستايلز البراقة وأزياؤه التي تتحدى الجنسانية المغايرة، دفعت معجبيه إلى السؤال حول جنسانيته، بالرغم من أن علاقاته مع فنانات مثل تايلور سويفت وعارضة الأزياء كامي رو تظهر أنه مغاير الجنس.

وفي تصريح له، أعلن ستايلز لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية أن جنسانيته هي مسألة لا يرغب بالتصريح عنها لأنها ليست عبارة عن أمر تجب الإجابة عنه، فالأزياء ليست حكراً على جنس معين، بل هي طريقة للتعبير عما هو ممتع ومتجدد.

لكن ومن خلال متابعة أغانيه المصورة، نجد أن ستايلز ما زال يعتمد على إظهار صور جندرية نمطية في أعماله. ففي أغنية Watermelon Sugar، تحيط مجموعة من العارضات في ثياب السباحة بالشاب السعيد الذي يشكل مركز الاهتمام والسيطرة. وبالرغم من وجود عارضة ذات جسم ممتلئ، إلا أنها تبقى جزءاً من تصور يعزز نمطية الجسد، حيث يركز الفيديو على العارضات النحيلات اللواتي يحطن بالفنان الشاب.

وبشكل عام، يسعى ستايلز إلى مناصرة المثليين ودعمهم خلال مسيرته. وبالرغم من ظهور تيار يشجع الشباب على اختيار ما يناسبهم من مظهر بغض النظر عن القواعد الجندرية الجامدة، يبقى التغيير شكلياً ولا يعبر عن تطور كبير على أرض الواقع. فلا زالت الكثير من العارضات والمغنيات من النساء يتعرضن للإساءات الجنسية في عملهن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن العارضات اللواتي شاركن في أداء فيديو أغنية Watermelon Sugar كن قد أعربن عن سعادتهن عندما طُلِبَت موافقتهن في حال تعرضهن للتلامس أثناء التصوير. ولا بد من التأكيد أن التغيير في مسار الموضة الذي يلغي الفوارق المتحجرة يساهم في خلق تنوع وغنى جندري. وبحسب تسمية ألبوم ستايلز الجديد Fine Line، يبدو هذا الفارق الجندري كخط رفيع، ولكنه في حقيقة الأمر هو عبارة عن منظومة معقدة من القوانين والقواعد التي يجب كسرها للوصول إلى عدالة جندرية حقيقية.

لكن يظل الجمال الذي تمنحنا إياه الموضة بألوانها وغناه، تسهم في التخفيف من قتامة الواقع الذي تبدو فيه الهوة كبيرة جندرياً حيث يُغفل دور الأقليات من النساء والمثليين لصالح ذكورة مسيطرة.

المساهمون