مدارس بلغات كثيرة في المغرب

مدارس بلغات كثيرة في المغرب

21 فبراير 2017
في الصف (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال السنوات الأخيرة، ارتفع عدد المدارس الأجنبيّة في المغرب، خصوصاً الفرنسية والبلجيكية والإسبانية والأميركية والتركية والإيطالية. ويعزو العاملون في القطاع التربوي هذا الانتشار إلى ضعف التعليم الحكومي في البلاد، بالإضافة إلى رغبة هذه البلدان الأجنبيّة في نقل ثقافتها إلى بلدان القارة الأفريقية، من بينها المغرب.

أخيراً، افتتحت مدرسة بلجيكيّة في ضواحي مدينة الدار البيضاء، ليصل عدد المدارس البلجيكية إلى ثلاث، في وقت تحتلّ المدارس الفرنسية صدارة قائمة البعثات التعليمية الأجنبيّة في المملكة مع أكثر من 30 مدرسة بحسب بيانات. وتأتي في المرتبة الثانية، لناحية العدد، المدارس الإسبانية، وقد وصل عددها إلى 12 مدرسة في مختلف المدن المغربية، خصوصاً مناطق الشمال، وذلك لاعتبارات تاريخية تتمثّل في خضوع هذه المناطق للاستعمار الإسباني. بعدها، المدارس التركيّة وعددها ثماني، ثم المدارس الأميركية وعددها خمس، تليها الإيطالية وغيرها.

يدرس في المدارس الفرنسية نحو 34 ألف تلميذ، أكثر من نصفهم مغاربة، والبقيّة من جنسيّات مختلفة تعيش في المغرب، علماً أنّها تتبع وكالة التعليم الفرنسي الخارجي أو مكتب التعليم الجامعي والدولي. أما في المدارس الإسبانية فأكثر من أربعة آلاف و300 تلميذ. وتعدّ أقساط هذه المدارس مرتفعة، لذلك تختارها العائلات المغربية ذات الدخل المرتفع، أو الطبقة المتوسطة.

كثيراً ما نظّم الأهالي وقفات احتجاجيّة بسبب زيادة الأقساط في هذه المدارس، عاماً بعد عام. في هذا السياق، يقول أيوب نعيم الذي ألحق ابنه بمدرسة جورج واشنطن في مدينة البيضاء، لـ "العربي الجديد"، إنّ "المناهج التعليمية في هذه المدرسة ومثيلاتها حديثة ومتطوّرة وتخرّج تلاميذ قادرين على النجاح مهنياً. لكنّ المشكلة تتمثّل في زيادة أقساط التسجيل كلّ سنة، بحجّة ارتفاع تكاليف التعليم ومصاريف المدرّسين".



وفي ما يتعلّق بانتشار المدارس الأجنبية في المغرب، خصوصاً الفرنسية والإسبانية، يقول الخبير التربوي، محمد الصدوقي، لـ "العربي الجديد" إنّ "ثمّة مسوغات تاريخية خاصة بالنسبة إلى المؤسسات الفرنسية والإسبانية، خصوصاً في شمال البلاد، لافتاً إلى أنّ بعض المدارس أنشأت منذ عهد الاستعمار. وقد تأسّست مدارس جديدة في ظلّ استمرار العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية بين المغرب وهذين البلدَين". يضيف الصدوقي أنّ "وجود جاليات أجنبية في المغرب ساهم في زيادة المدارس الأجنبية في البلاد، خصوصاً أنها تعتمد المناهج المتبعة في بلادها الأصلية". ويوضح أنّ "هذه المؤسّسات التعليمية غالباً ما تستقطب أبناء النخبة المغربية، خصوصاً الأغنياء منهم، أكثر من الأجانب". كذلك، يشير إلى أنّ "الحكومات المغربية تشجّع على إنشاء مدارس خاصة وأجنبيّة، بهدف الحدّ من الإنفاق العام على التعليم".

ويتحدّث الصدوقي عن "شراكات أبرمت بين الحكومة المغربيّة ودول ومؤسّسات أجنبيّة، بهدف إنشاء مؤسسات تعليميّة بلغاتها الأصليّة، نظراً إلى إقبال آلاف المغاربة عليها، بدلاً من الهجرة للدراسة في الخارج". ويتابع إنّ "إقبال مغاربة مقتدرين على المدارس الأجنبيّة تحوّل إلى موضة، وإن كان كثيرون يسعون إلى ضمان تعليم جيّد لأبنائهم وضمان سهولة ولوجهم سوق العمل. يُضاف إلى ذلك غياب الثقة في التعليم العام".

ويرى الصدوقي أنّ "تأثيرات انتشار المؤسّسات التعليميّة الأجنبيّة في المغرب إيجابيّة وسلبيّة، إذ إنّ وجود البعثات الأجنبيّة يعود بالفائدة الاقتصاديّة على الدولة والاقتصاد، عدا عن المستوى التعليمي الجيّد وضمان فرص جيّدة في سوق العمل". أمّا التأثير السلبي، فيمكن تلخيصه بحسب الصدوقي بتكريس التمييز الطبقي بين المغاربة، خصوصاً أنّ الاهتمام بالتعليم العام مفقود، وكثيراً ما يعاني خرّيجو هذه المدارس من البطالة". ويشدد على أنّ "الفرق بين المدارس الحكومية والأجنبيّة يساهم في تعزيز التمييز".

كذلك، يشير الصدوقي إلى "سلبيّات إضافيّة تتعلّق بزيادة عدد المدارس الأجنبية في البلاد، وهي ابتعاد التلاميذ المغاربة الذين يلتحقون بها عن المعارف والقيم الوطنية والمجتمعية، إذ إنّ هذه المدارس تعتمد اللغات والمناهج التربوية الأجنبية وليس المغربية". ويؤكّد الخبير التربوي على "أهمية المدرسة والتعليم في التنشئة الاجتماعية للأفراد، في أبعادها المعرفية والقيمية والثقافية الوطنية".
وفي حين تُعَدّ هذه المدارس خيارات إضافية أمام المغاربة، يُشار إلى أنّه كان من واجب الدولة المغربية الاهتمام بالمدارس الحكومية في البلاد.

دلالات