كلود وفرانس لومان: مزاد فني في مواجهة صدمة الوباء

كلود وفرانس لومان: مزاد فني في مواجهة صدمة الوباء

07 يوليو 2020
(مقطع من لوحة "مريمُنا" لـ هاني زعرب، من بين معروضات المزاد)
+ الخط -

نشر الباحث والصحافي المتخصّص في سوق الفن العالمي تيم شنايدر، العام الماضي، دليلاً أطلق عليه "كيف تكون مقتنياً مقاوماً للصدمات"، لفت فيه إلى أنه وخلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، ثبت أن التراجع في سوق الفن يمكن أن يكون الوقت المناسب لبيع تحفة فنية أو شرائها، وذكر أنه وحتى عندما تراجعت الأسواق العالمية إلى أسوأ مرحلة من الركود، ظلّت بيوت المزادات تحقّق بعض الأرباح المذهلة، ويذكر مثالاً حين تجاوزت لوحة لـ آندي وارهول قيمة 12 مليون دولار قبل الأزمة إلى بيعها مقابل 43.8 مليون دولار في "دار سوذبيز للمزادات" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009.

هذا ليس مستغرباً ولا جديداً؛ فقد ارتبط تاريخ المزادات في سوق الفن العالمي بشكل كبير بالأزمات من حروب وركود، وازدهر هذا الشكل من محاولات تحقيق الدعم للفن والمؤسّسات الفنية والثقافية بالعموم خلال كل فترة عصيبة مرّ بها العالم.

ويبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه اليوم، حيث قُدّرت خسائر سوق الفن العالمي في منتصف أيار/ مايو الماضي بقيمة 64 مليار دولار، وبادرت دور عالمية للمزادات حول العالم إلى تنظيم مضاربات افتراضية مختلفة؛ معظمها للحصول على دعم في هذه الفترة الحرجة وبعضها كان مبرمجاً سابقاً وجرى عقده "أونلاين" - افتراضياً - لأوّل مرّة.

من ذلك، المزاد الذي تنظّمه "دار كريسيتز" لمجموعة من الأعمال التي تعود في الأصل للمقتنيَين كلود وفرانس لومان، وهما مؤسّسا "غاليري كلود لومان" في باريس، حيث تبرّع الزوجان بأربعة وأربعين عملاً من مجموعتهما الشخصية، لفنّانين من العالم العربي واليابان وفرنسا، بهدف بيعها في مزاد تنظّمه الدار افتراضياً "لمساعدة الفنّانين الشباب العرب الذين هم في أمس الحاجة إليها بسبب أزمة كوفيد - 19"، كما جاء في البيان الصحافي للدار، حيث يودَع ريع المزاد في "صندوق كلود وفرانس لومان" التابع لـ"معهد العالم العربي" في باريس، والذي أُطلق أساساً لتأمين عمليات الاقتناء المستقبلية وتنظيم المعارض والقيام بالأبحاث ونشر كتالوغات المعارض.

يستمر المزاد الافتراضي حتى السادس عشر من الشهر الجاري

المزاد افتتح في 24 حزيران/ يونيو، ويغلق في 16 من الشهر الجاري، وتتراوح أسعار الأعمال المعروضة فيه ما بين ألف يورو كبداية وأربعين إلى ستّين ألف يورو لبعض اللوحات كأعلى سعر مطروح إلى الآن. من جهة أُخرى، هذه ليست المرة الأولى التي يدعم فيها المقتنيان المعهد بالخصوص والفن العربي بالعموم، فقد تبرّعا للمعهد في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بـ1300 عمل لفنانين من المنطقة العربية وجِوارها، و200 عمل في 2019، فضلاً عن أن لومان كانا من أوائل من اهتم - من بين الصالات الباريسية - بتقديم وإبراز الفن العربي الحديث والمعاصر في صالتهما منذ تأسيسها عام 1988.

الصورة
كلود وفرانس لومان - القسم الثقافي
كلود وفرانس لومان

تغطّي لوحات المزاد ستّين عاماً من تطوّر الفن التشكيلي العربي، وهي لفنّانين من لبنان والعراق وفلسطين وسورية ومصر واليمن والجزائر والمغرب والسودان. ومن اللوحات التي جاء تقدير ثمنها في أعلى السلم؛ اللوحة الزيتية "موسم" للفنان اللبناني شفيق عبود والتي رسمها ووقّعها عام 1959، ويبدأ سعرها من 40 ألف يورو. وتُعرض لوحات أخرى لعبود (1926-2004)، الذي هاجر إلى فرنسا عام 1947 واستقر فيها حتى وفاته، وظلّت لوحاته تحاور الطبيعة الأم وتقدّم صورة للمكان الأول من خلال الوجود في المنفى، فهيمنت الطبيعة كموضوع للتجريب لديه وظلّت تظهر كأنها شبح بعيد يحاور الفنان من خلاله ماضيه والينبوع الأول لتكوينه البصري. 

وتُعرَض لوحة الأكرليك للفنان اللبناني حسين ماضي (1938) "طيور حمراء على سماء زرقاء" والموقّعة والمؤرّخة بتاريخ 2007، ويبدأ مزادها من 25 ألف يورو. ومثل عبود يحضر ماضي بأكثر من عمل، تنتمي إلى نفس الفترة، وفيها يتصادى أحد أبرز فناني جيله مع أسلوب القصاصات لهنري ماتيس، وألوانه الزرقاء والبرتقالية، لا سيما في لوحة "جنة عدن" المعروضة أيضاً على موقع "كريستيز".

كما تُعرض منحوتة واحدة في المزاد، وهي "عشتار" للبناني شوقي شوكيني (1946)، وهي منجزة من الخشب عام 2017، بسعر يبدأ من 20 ألف يورو، مثلما تُعرض لوحة للفنان العراقي ضياء العزاوي بعنوان "البحث عن رمز رقم 1" بالقيمة نفسها كبداية للمزاودة، وكذلك هي لوحته الأخرى المتاحة للبيع "رسالة عربية". 

كذلك تعرض الدار لوحة "أزهار" للشاعرة إيتيل عدنان متشعّبة الهويات وفنانة الطبيعة الفطرية بامتياز، ويحضر أيضاً الفنان الفلسطيني هاني زعرب بلوحة "مريَمُنا" الموقّعة عام 2019 والمنجزة بمادة القطران التي يشتغل الفنان على إعادة تطويعها لتكون خامته الفنية، وبها قدّم عدداً من المعارض في السنوات الأخيرة. في لوحته "مريَمُنا" وعلى إثر حريق كنيسة نوتردام الباريسية؛ يستعيد زعرب شخصية مريم العذراء كفلاحة فلسطينية مغتربة.

معظمها لوحات لفنانين من جيل رائد ومؤثر في الفن الحديث

يتيح "كريستيز" أيضاً تجارب رائدة ومؤثّرة في الفن التشكيلي الجزائري تختلف في اتجاهاتها وإن كانت تشترك معظمها في الطبيعة وتصوير الرموز والنقوش التقليدية، إلى جانب روح التجريب والتجريد الكبيرة التي تسيطر على الألوان الحارة والأسلوب في لوحات محجوب بن بلّة وعبد الله بن عنتر وخليدة بوغريط ومحمد خدة وعبد القادر غرماز.

من المغرب يُعرَض عمل الفنان الراحل محمد القاسمي "أطلس"، وفيه يصوّر الجسد الإنساني كقطعة من تضاريس الطبيعة، ويحاكي الرسومات البدائية في كهوف الصحراء الأفريقية، كما تُعرض مجموعة أعمال ناجية المحاجي وموضوعها الأثير وهو الوردة بشقوقها الداخلية وثنياتها.

من لوحات "كريستيز" عملان للفنان السوري يوسف عبدلكي هما "سمكة وسكين"، و"الوردة في الآنية"، وأعمال لخالد تكريتي وبطرس المعري وخالد ضوا من سورية، وعمل بعنوان "صنم" لمحمد عمر خليل من السودان، ولوحات للفنان اللبناني الأرمني أسادور، وعمل بعنوان "موسيقى ليلية" للتشكيلية فاطمة الحاج من لبنان. يتيح المزاد أيضاً عملي طباعة بعنوان "سلام وحب" للتشيكيلي اليمني ناصر الأسودي، إلى جانب أعمال للفنان الياباني مانابو كوشي، والفرنسي فرانسوا سارغولوغو. 

وتعرض "كريستيز" سلسلة لوحات رسمها فنانون عرب تحية لكاتدرائية نوتردام التي احترقت العام الماضي، وكانت السلسلة أيضاً بمبادرة من الزوجين كلود وفرانس لومان، وتضم أعمالاً للفنانين بطرس المعري ومحمد خليطي وناجية المحاجي وضياء العزاوي.


في مغامرة الفن العربي

في 1988، افتُتح "غاليري كلود لومان" وقد مثّل تقديم الفن العربي الحديث خصوصية ورهاناً أقرب إلى مغامرة في فضاء تشكيلي باريسي يُعرف بنزعته الاستعلائية. على مدى أكثر من ثلاثة عقود، بدا الغاليري مثل تاريخ مصغّر للفن العربي الحديث بتنوّع أسماء التشكيليين العرب على أصعدة الأجيال والبلدان والحساسيات والمحامل والخامات. 

في 2018، تبرّع كلود وفرانس لومان (الصورة) بـ1300 لوحة لـ"معهد العالم العربي" في باريس، متيحين بذلك مرئية أكبر للفن العربي. أما مزاد "كريستيز" (44 عملاً) فيُظهر أبعاداً أخرى من تطلعات الزوجين لومان، فمع البعد الإنساني - الفنّي بمساعدة الفنانين الشباب الذين تضرّروا من جائجة كورونا، يوجد بُعد مستقبليّ حين يربط - ولو رمزياً - فنانين لمعت أعمالهم في غاليريهات عالمية بجيل أحدث يسير بثقة على طريق الفن.

 

المساهمون