سعف النخيل... رزق عشرات الحرفيين التونسيين

سعف النخيل... رزق عشرات الحرفيين التونسيين

تونس

مريم الناصري

avata
مريم الناصري
29 نوفمبر 2019
+ الخط -
تُعدّ أشجار النخيل في تونس ثروة في محافظات عدة، لا سيما في الجنوب التونسي. إضافة إلى ما تقدّمه من محصول كبير من التمور يمثّل مصدراً لـرزق آلاف الفلاحين في تلك الجهات، يوفّر سعفها رزقاً لآلاف الحرفيين في العديد من مناطق الجمهورية.

وكانت بقايا النخيل تستخدم سابقاً في بناء أسقف البيوت وصناعة الأبواب والشبابيك قبل تطور الصناعات، في وقت كانت تصنع من الجريد أيضاً الحبال الخشنة التي استُعملت في مهن عدة حتى في الصيد البري والبحري، لصناعة الشباك للسمك وللطيور. كما كان يُصنع من السعف والجريد سابقاً العديد من المواد الضرورية للاستعمال المنزلي. لكن تمّ التخلي عن بعضها بسبب التطور الصناعي.

مع ذلك، ما زال آلاف التونسيين يحافظون على استعمال بعض المواد المصنوعة من ألياف النخيل، نظراً لكونها صحية وغير ضارة مثل البلاستيك. وما زالت القفاف التونسية المصنوعة من سعف النخيل حرفة تشغّل عشرات الحرفيين في العديد من الجهات التونسية، إضافة إلى استعمال السجاد المصنوع من ألياف السعف، خصوصاً في المساجد.

بعض الحرفيين في مناطق عدة ابتكروا أشياء عصرية مصنوعة من مخلفات النخيل، على غرار الكراسي والطاولات وأسرّة الرضع وحتى الثريات والسلال. مصنوعات مختلفة الأشكال والألوان الطبيعية، تشهد إقبالاً كبيراً ورواجاً في غالبية الأسواق التونسية.

محمد الهمامي أحد أقدم الحرفيين الذين امتهنوا صناعة العديد من الأشياء التي تستعمل في البيوت من سعف النخيل منذ أن كان عمره 15 سنة. تعلّم الحرفة عن أحد الإسبان في تونس خلال زمن الاستعمار. ثم افتتح محلاً صغيراً في عين دراهم في محافظة جندوبة، حيث علّم مئات النساء تلك الحرفة. يقول الهمامي لـ"العربي الجديد" إنّ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة دعم الحرفيين في تلك الفترة، وعمل على تمركزهم في المناطق الحدودية بالأساس والمناطق الريفية، لمقاومة النزوح وخلق فرص عمل للعديد من النساء، وحتى الأطفال، خصوصاً أنّ نسبة التعليم في ذلك الوقت وفي تلك المناطق كانت ولا تزال قليلة.

ويشير همامي إلى أنّه استخدم العديد من المواد الطبيعية الأخرى لصناعة الأثاث وبعض أدوات الديكور، على غرار أوراق وألياف أشجار الموز والخيزران والسمار وأي ألياف طبيعية يمكن أن تصنع منها أشياء قادرة على الصمود سنوات عدّة.

في محلّه الصغير في العاصمة، يعمل بعض الحرفيين ممن علّمهم صناعة العديد من تلك الأشياء، على صناعة أثاث بسيط وأدوات للزينة، والتي عادة ما يطلبها أصحاب المقاهي والمطاعم والنزل. وتلقى بضاعتهم رواجاً كبيراً في الداخل والخارج أيضاً، إذ يشير محمّد الهمامي إلى أنّ "كلّ شيء بات مطلوباً حتى من أصحاب البيوت الذين يحبذون أشياء مصنوعة من ألياف طبيعية للديكور والزينة". لذلك، لا يجدون مشكلة في الترويج والبيع. كما أنّ العديد من الحرفيين يطلبون بعض الأشياء التي يتمّ تنفيذها بسهولة.

يضيف أنّ "غالبية الحرفيين كانوا يحصلون سابقاً على المواد الأولية بسهولة والتي تتوفر في تونس بشكل كبير. وتزخر محافظات الجنوب بالنخيل، فيما تنتشر في الشمال الغربي، حيث الأودية، نبتة السمار والخيزران، إضافة إلى توفر أشجار الموز في بعض المناطق. لكن خلال السنوات الأخيرة، بات غالبية الحرفيين يحصلون على مواد أولية مستوردة من الخارج، خصوصاً من الصين، على الرغم من توفر المواد في تونس.

لكن هناك صعوبات في الحصول على تلك المواد، فالحرفي غير قادر على جلبها أو جمعها بنفسه من محافظات عدة في تونس. الأمر الذي يتطلب إحداث هيكل يعنى بتوفير تلك المواد، ما من شأنه أن يخلق موارد رزق أخرى، وتوفير يد عاملة في جمع تلك المواد الطبيعية وحفظها وتوزيعها على الحرفيين. وقدّمت دراسات عدة لتثمين استغلال تلك المواد من دون جدوى، ومن دون أي اهتمام من المسؤولين".

طلب على المواد المصنوعة يدويا (العربي الجديد) 


في المقابل، يضطرّ الفلاحون من أصحاب واحات النخيل إلى التخلي عن بقايا سعف النخيل بعد جمع المحاصيل، والتخلّص من تلك الأجزاء المختلفة التي تتراكم على شجرة النخيل وبعض البقايا النباتية والثمار الجافة التي تتساقط من العذوق أثناء فترة النضج وخلال عملية جمع المحصول. وتصبح تلك المواد والأجزاء المتبقية من أشجار النخيل، والتي لم يتم قصّها خلال الموسم، مكاناً مناسباً لتكاثر العديد من الآفات، على غرار سوسة النخيل الحمراء، أو دودة الطلع الكبرى، والعناكب التي تتكاثر ويزداد عددها وأضرارها على أشجار النخيل. ونظراً لتسبب تلك البقايا في انتشار الحشرات، فإنها تُحرق في أكوام كبيرة، على الرغم من أنّه من الأفضل استغلالها من قبل الحرفيين لصنع مواد للاستعمال المنزلي. لذلك، يرغب الحرفي محمّد الهمامي في تثمين تلك المواد والتواصل مع مؤسسة تُعنى بتجميعها وتوزيعها على الحرفيين.
صناعة الأثاث وبعض أدوات الديكور (العربي الجديد) 




رضا غريرة، أحد الحرفيين في منطقة قبلي في الجنوب التونسي الغنية بواحات النخيل، يحصل على المواد الأولية بالمجان من قبل الفلاحين بعد التخلّص منها ويحولها إلى أثاث، على غرار الطاولات والكراسي، وحتى بعض أدوات الزينة لتغليف جدران المقاهي والمطاعم. ولقيت صناعاته رواجاً كبيراً في المنطقة. ويشير رضا لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "لا يجد مشكلة في الحصول على المواد الأولية بالمجان من قبل غالبية أصحاب الواحات، وهي ثروة يمكن استغلالها بالفعل في صنع أشياء تصمد سنوات عدّة"، مضيفاً أنّ "مخلفات النخيل تعدّ مواد هامة لا بد من استغلالها لصناعة العديد من المواد للاستعمال اليومي".
صناعة طاولات وكراسي (العربي الجديد) 

دلالات

ذات صلة

الصورة
جابر حققت العديد من النجاحات في مسيرتها (العربي الجديد/Getty)

رياضة

أكدت التونسية، أنس جابر نجمة التنس العربي والعالمي، أن تراجع نتائجها في المباريات الأخيرة، يعود إلى إصابة قديمة منعتها من تقديم أفضل مستوى لها.

الصورة
يدفع المهاجرون مبالغ أقل للصعود على متن القوارب الحديدية

تحقيقات

بحثاً عن الأرخص، تصنع شبكات تهريب البشر الناشطة في تونس قوارب حديدية من أجل نقل المهاجرين غير الشرعيين عبرها إلى أوروبا بكلفة أقل، إذ تنفق مبالغ بسيطة على بنائه
الصورة
أكد المشاركون أن الثورة شهدت انتكاسة بعد انقلاب قيس سعيد (العربي الجديد)

سياسة

أكدت جبهة الخلاص الوطني، اليوم الأحد، خلال مسيرة حاشدة وسط العاصمة تونس، أن البلاد في مفترق طريق ولا بد من قرارات مصيرية حتى لا تذهب نحو الانهيار.

الصورة
محامو تونس في يوم غضب/سياسة/العربي الجديد

سياسة

أعلن محامو تونس اليوم الخميس دعمهم الكامل لخيار المقاومة بهدف استرداد الحق الفلسطيني، خلال يوم غضب نظموه في محكمة تونس، أبدى المحامون استياءهم من مواقف بعض الحكام العرب الذين يساندون إسرائيل ويتبنون سياسة التطبيع معها. وأشاروا إلى أن التاريخ سيدينهم.