عالية أسوار القصبة

عالية أسوار القصبة

13 مايو 2020
من قلعة ألمرية (Dan)
+ الخط -

غاية المنى تعرف هذا، وتعرف غير هذا
العلم هو الطاحونة
ألمرية بلا شمس
لا يهمني أنه قد مات
ثمّة ابتساماتٌ
تُريك السماوات


■ ■ ■


تظهر اليوم أمامكم،
من أجلكم.
من عالم الموتى تجيء
لتكلّم الأحياء
إن كنتم تظنّون أنكم أحياء.

قلبٌ لا يُحب
ليس قلبَ بَشرٍ حيّ.
فالنفس أدنى من روح نبتةٍ
إن لم يخفق قلبها مفكراً بحبيب.


■ ■ ■


ألا يمكن لزهرة أن تمنح رحيقها
لأكثر من نحلة؟
ألا تُحبُّ الطبيعةُ الأشياءَ كلّها؟


■ ■ ■

ميّتة منذ قرون.
ومن موتي
أنظر أحياناً إلى دنياكم،
إلى عاداتكم، أزيائكم،
مآسيكم وإنجازاتكم.

والحقيقة
لا شيء من ذلك كلّه يهمني.

قلبي له
من أجله تتحرّك
أجنحة روحي.

تعلمتُ أن أتكلّم مثلكم،
أن أحلف مثلكم،
وحتى أن أُحب مثلما تحبّون.
فكل ما يفعله الحب
شأنٌ يهمّني.


■ ■ ■


هنالك نيسان وأيار
يستمران دوماً.

ملابسي نفعت يومذاك
لهروب حبيبي من الزنزانة،
في حين كان مليكي ينتظر مغموماً.


■ ■ ■


هنَّ
يتوددن إلى مليكي،
يهيّئن له هدايا عطرية
أشربة أحلام
لكنّ حواس مليكي
لا تبحث عن أحد سواي.


■ ■ ■


عالية أسوار القصبة
لن يكون النزول سهلاً يا حبيبي
لكنني سأساعدك،
سأقدّم لك ما يلزم من عون.

هكذا كنتُ أفكر بينما أنا أستمتع
بذكريات مستقبلٍ
لم يحدث قطّ.

ألم أكن أنا جلّادة حبيبي؟
أطفال ألمرية يلعبون لعبة خطرة
بإبريق فخار.

الأمهات يصرخن
كيلا يندلق الماء.

ألم أكن أنا من حرَّرتْ من هذا العالم حبيبَها
بعد أن كان يسكن غمّ السجن؟


■ ■ ■


غاية المنى تعرف هذا، وتعرف غير هذا
تعرف أوفيد، وتعرف سافو.

تعرف أنّ الحبّ يستعبد الحواس
لكنها تعرف أيضاً
أنه يجب عدم محاولة وقف مياه النهر

لأنه مستحيل.


■ ■ ■


الِعلم هو الطاحونة
وغاية المنى جعلت من حكمتها
طاحونة،
أضفت قوةً شعرية عليها وعليه، هنا،
حيث تخمد الحركة.

هنا بالضبط والآن،
حيث كلّ شيء أبدي.


■ ■ ■


لا يهمّني أنه قد مات
لا يهمّني أن أبكي
وأن أموت حزناً
حبّنا قد نما،
قد جُمع، قد شاع.

أعرف أنهم سيتكلّمون عنّا
بعد انقضاء قرون.

أعرف أنهم سيجهرون بنطق اسمي.

مثل ستارةٍ سميكة،
مستبعدة ومعفرة،
ستمتلئ الحجرة بالضوء.

الألوان ستكون زاهية جداً
كالعادة.

قُبلاتنا ستُغنِّي.

بهجة أن نكون معاً
أحدنا مع الآخر.


■ ■ ■


يمكن لك رؤية السماوات
تتوالى، سماء بعد أُخرى
بأقدامنا العارية.

نحتفي دوماً
بأننا تعارفنا.
يمكن لك رؤية إشراقات شمس
ومغيبها مراراً
كما تشاء.

ذهاب أسراب الطيور
وإيابها.

يمكن لك رؤية الأنهار الغزيزة
أو بلا مياه مجاريها،
بينما السمكة الأخيرة،
تطلق أولى زفراتها
في الفردوس.

أنت وأنا نحتفل دوماً
بأننا ولدنا.

وسنضحك
من مآسينا.


■ ■ ■


غاية المنى امرأة حُرّة
ورجلاً حُرّاً
أراد أن يكون حبيبها.


■ ■ ■


عندما أبناء الأبناء
على الأرض
يعيرون اهتمامهم
لمعانقاتنا.

عندما تجوس حُمرة العصفور الطنّان
مثل هنيبعل
مراعي أخلاقهم
وفروقاتهم.

يومئذ
سيُحِبون مثلنا.


■ ■ ■


الحقيقية أن أُسطورتنا
ظلّت ترقص لقرون وقرون
منتظرة الصباح المختار
لتعود بكل بتلاتها المتفتّحة،
الفسيحة.

تذكَّرَنا مؤرخون
فظلَّ اسم غاية المنى
مدوَّناً
بحروف من تلك
التي لا يمكن للنسيان أن يخمشها.

حبيبي هو من قال لي،
صوّبي نظرك
إلى فِناء القصبة،
وانظري ما الذي نما هناك.

عندئذ عرفتُ أن الوقت قد أزف،
فَدَوْزَنتُ عودي
ومضيتُ بحثاً عنكم.


■ ■ ■


بلا موسيقى لا سبيل إلى فهم
الصمت الخامد والقوي
الذي يُسند الخليقة كلّها.
عائدةً إذاً إلى إنسانيتي،
أُطالب بمفتاح يفتح قلبي
وقلب النباتات
والأشجار
التي نمت في القصبة.

وما زالت تنمو.


* قصائد من عمل مسرحي بعنوان "غاية المنى، جارية ألمرية" عرض أول مرة في "مؤسسة ألمرية" في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، ولعبت الممثلة الإسبانية ديتا رويث شخصية "غاية المنى"، وهي شخصية تاريخية تعرف أيضاً باسم "غاليانا"، عاشت في بلاط الملك المعتصم بالله بن صمادح (ألمرية 1037- ألمرية 15 أيار/ مايو 1091) وهي كذلك بطلة أسطورة الجارية التي منحت برج الجارية اسمه. وكان الشاعر سيرخيو أربوليدا رودريغيث يزور قصبة ألمرية عندما رأى دالية بجذعين ملتفين أحدهما على الآخر في فناء البهو الثاني، فتأثر لمرآها ومن تلك الصورة ولد هذا العمل.

** ترجمة عن الإسبانية: أنطونيو مارتينيز كاسترو وعمر علماني

المساهمون