محاولات متعثّرة لإيجاد صوتي

محاولات متعثّرة لإيجاد صوتي

03 ابريل 2020
مقطع من عمل لـ أندريه لوت/ فرنسا
+ الخط -

تعريفات ذاتية للندم

على الأرجح، الندم هو ما يسيطر في التحليل الأخير. الندم على حماستي في الدفاع عن قضايا سرعان ما فقدتُ إيماني بها أو عرفت أن أصحابها مجموعة من الخونة... أنّني لم أقبّل الفتاة التي أوقفتني في الحفل بدعوى أنها تعرفني. كل هذا الصراخ في أمّي فور أن نبت شعر في وجهي... أنّني لم أفكّر مرتين قبل أن أضحك طويلاً على هذا الصبي الذي نزع عنه صاحبه الطاقية الصوفية في عز الشتاء وفي وسط الشارع، في مشهد كلاسيكي للعب الأولاد.

ندمي على مشكلات أعرف أنني افتعلتها، فقط حتى لا أشعر بالضجر... أنّ صديقتي قتلت نفسها دون أن أتنبّأ بذلك... أنّني لم أخلع البنطلون وأكشف عن مؤخرتي لأستاذ الجامعة حين اتّهمني بالتطرّف. كل زجاجات البيرة التي لم أشربها مع صديقي الذي هاجر الآن إلى بلاد تفتح ذراعيها للجميع لتأكلهم واحداً تلو الآخر... الملابس الملوّنة التي تملأ دولابي... أنّ خوفي من الملل جعلني أتسكّع حتى مع أناس أعرف أنهم بلا ذرّة من مروءة... أنني لا أتذكّر النهايات السعيدة للقصص التي قرأتها في طفولتي... أنّ معدتي لا تروق لها البقوليات... وخصوصاً، محبتي للعالم.


■ ■ ■


نهاية تراجيدية

كثيراً ما أتخيّله قادماً من الستينيّات. داعية سلام. يشاهد "لا شينواز" طازجاً. يركب فيسبا سبرينت ويجوب الشوارع، فيما تلفّ حبيبته ذراعيها حول خصره. يقع في غرام أخرى، تكبره سنّاً، بكثير، ثم يقع في غرام ابنتها، فقط لأنه يريد أن يحاكي بينجامين في "ذي جراديويت". يكون في طليعة متعاطي الـ "إل إس دي"، لكنه يموت بجرعة زائدة من الهيروين.


■ ■ ■


مجاملات مرهِقة

صديقي، الذي يكبرني بثلاثة عقود ونصف، يقصّ الحكاية نفسها مرّات ومرّات، وأنا، في كل مرّة، أُصغي إليه بإنصات وأومئ كأنني أسمعها في ميلادها الأول. أمّي، التي أقابلها من أجل فنجان قهوة بين حين وآخر، تخبرني أن جدّتي تريد أن تراني، فأسألها عنها وعن صحّتها، كأنني حفيد بارّ يهتمّ فعلاً. النادل يسألني عن رأيي في الوجبة. البوّاب ينتفض واقفاً من أجلي. ابتسامة موظّف البنك في الثانية ظهراً. ثَنائي على ما فعله الحلّاق برأسي. المسرحية المروّعة التي أخرجها صديقي الآخر وكان عليّ أن أُصفق في نهايتها كأنها إحدى روائع يونسكو.


■ ■ ■


مهداة إلى نيتشه

محاولاتي - المتعثّرة دائماً - أن أجد صوتي، لا محبّتي للبشر، أن قلبي في عقلي، كوني فشلت في أن أكون شاعراً، نزقي تجاه أقراني، كيف أتقطّع في داخلي لو رأيتُ حصاناً يصهل ممتعضاً من صاحبه، رأيي المتقلّب في فاجنر، أوهامي عن ذاتي، حبّي - وإن الأفلاطوني - للأفيون، يقيني بأن السنوات الأخيرة من حياتي سأقضيها محدّقاً في الفراغ.


* كاتب ومترجم مصري

دلالات

المساهمون