قصائد المَحْجَر

قصائد المَحْجَر

02 ابريل 2020
سيدني نولان/ أستراليا
+ الخط -

في عناوين أخرى؛ في أزمنة من تاريخ هذا العصر؛ في لحظاتٍ أخيرة من وداع الطاعون؛ كانت الدنيا تفاحةً ذابلةً والجنّةُ بين يدَي جزار.

عاريةٌ وجوه السنين. صادقةٌ هبّات الرياح؛ والأعشاب تنمو لشيء ما؛ والشمسُ تطلع كلَّ يومٍ دون أن تعرف ما هو آخر الزمان؛ ولا القمر يأبه لبدء الخليقة.

عربةٌ طارقةٌ في طريقٍ مفروشةٍ بالحجر؛ تحملُ رجلاً ملتفّاً بمعطفه وتذهب به إلى بيت خمّارٍ نائمٍ أو إلى جنّةٍ تحترق.

على هذه الصفحة لا يوجد شيءٌ. لا توجد غزالةٌ هاربةٌ من منمنمةٍ قديمة ولا بيتٌ لأبي تمام؛ ولا سماءٌ بقيت عالقةً في الفاصلة بين شطر وشطر في معلّقة امرئ القيس.

كأنَّ الفجرَ راهبٌ يطرق الشوارع إلى كنائس مقيمة على مياه الليل. على هشاشة هذا العمر تنبت ورقةٌ ويسقط النبق من السّدرة.

سينام حجرٌ ويستيقظ حلمٌ في عين فراشة. أنت في ثقب الإبرة مقوَّسٌ كالجنين. يُقتلع جدارٌ ويتعمّق شهيدٌ في معرفة الخوذة واليمامة.

جاء فجرٌ جديد. غيمةٌ ضاعت. باب انفتح لتوِّه. كلُّ شيء في حَجْر. وحده اللاوعي يجول في الهواء الرحب بالحرية مطلقةً.

كلٌّ في حَجْرِه صامت؛ ولا ضحكةٌ هناك في البيوت ولا دمعةٌ من الحنين. تتحجَّرُ العين في محجرها وكأنَّ الكائنات شربت ماء الخلود وجاثية. كلٌّ في حَجْرِه يخاف لمس نافذةٍ؛ أو أن يمسِّدَ وجَه أُفق.

أنام وأستيقظ في نافذة الوقت؛ وأنهض كأني خرجتُ لتوّي من كهفٍ مُحَجَّر.

من رباط الخيل وأسفار الجحيم؛ قد يصل أحدُهم إلى عين الأعوام؛ ويرى أنَّها تحجَّرت من ريحٍ عقيم.


■ ■ ■


وجدناها في أنقاض الأرض؛ في أرضٍ قديمة؛ في قريةٍ تآكلت بالطاعون. وجدناها جالسةً وأمامها المرآةُ التي عصت أمرَ الزمن. وجدناها وبجانبها آنيةُ حِنّاء؛ وجدناها ولضفائرها دهرٌ من الجَمال.

في زمنِ ما بعد الطاعون أصابنا القحطُ والجفاف؛ كُنّا نشربُ من الآبار التي كانت تتلاقح فيها الأفاعي.

من أين هذا الأزلُ الذي أصاب أيامي؛ وأزهارَ الحنين.

كتبتُ إلى حقل القصب؛ وردَّ عليَّ بجملةٍ واحدةٍ؛ نسيتُها.

لا تحارب نفسَك كثيرًا. دع هذه الجميلة ترتدي الغيم والبستان وفواكه الجنّة والصور.

شاركني فرحك؛ أو قلْ كلمة جميلةً إن لقيتني. فقد كنتُ كحلمٍ ناقصٍ في ذاكرة السنين.

كنتُ شريعةً للأيام المُقبلة. لكنّني جنينٌ معلقٌ في فضاء أسود؛ يدور مع الكواكب في مدار وردةٍ كالدِّهان.

قلتُ متى تنقضي أيامُ البلاء. قال واصِل طريقك إلى آخر نبعٍ في الأرض.

بحيرةُ الروح هادئة. سربٌ من طيرٍ هائمات نائم. الزمن يتوقّف عندما تحدّق فيها؛ الزمن المعنى الذي يأتي من المستقبل.

صافحْ نفسَك. كُن هادئًا واقتربْ من نهرٍ يجري دون قلق؛ وصافحْ نفسَك؛ حتى وإن كنتَ السائر الوحيد؛ الواقف الوحيد على الجسر الهلالي.


* شاعر من الأهواز

المساهمون