هناك لا نذهب إلى الحرب

هناك لا نذهب إلى الحرب

11 مارس 2020
محمد شبعة/ المغرب
+ الخط -

هنا لا نَذهَبُ إلى الغابة،
تأتي الغابَةُ إلينا وتَأكُلنا جميعاً.


■ ■ ■


كُلَّ مَساء حين أعودُ إلى بيتي،
أُشعِلُ جِهاز التلفزيون
أُشعِلُ المُكَيّف
أُشعلُ أَضواء البيت كُلِّها
حتى تَنفذَ الأشِعَّة إلى مَكمَنِ الجُرح
أُشعِلُ الأضواء حَتى إذا جاء الموت
رَأَيتُ وَجهَ عَدُوّي أَمامي
أُشعِلُ الأضواء فلا أَرى شيئاً؛ هل صِرتُ أعمى؟
في المساء، حين تَحتاجُ إلى شيء دافئ يُقَرِّبُكَ من السّعادة،
تُسَوّي لُفافَة ماريجوانا وَتُشعِلُها
تَسحَبُ الدُخّان إلى كُلِّ مِنطَقَةٍ بِها وَجَعٌ،
يَعتَدِلُ مِزاجُك
يَنبَسِطُ الوجهُ وَتَسترخي عضلاتُك
تَتَثَاقَلُ الكلمات في فَمِك فتخرج نَعسانة
تَفرَحُ قليلاً وَتَطمَئِنُّ لِوجودك
يُصبح العالم المحيط بك رَخواً، ورائعاً
يصيرُ بَيتُكَ بَهِيّاً وعامراً بالفَرَح
حتى جارتي المريضة لا تَبدو سَيِّئة جِدّاً
حين التَقَيتُها أول مَرَّة قالت لي:
إنّها تُحِبُّ طَنجة والبحر الأبيض المتوسط
وَبعدَها قالت لي إنها تُحِبُّ الكُسكس
وحين التقَيتها آخر مَرَّة قالت لي إنها تَكرهنا جميعاً
هنا يا أحِبّائي في هذا البَلَدِ
يَبتَسِمَ لَكَ بعض الناس رَغمَ أنهم يَكرهونك،
هذا شيء لا أَفهَمُه،
هنا يا أَحبّائي هي الأمكنَةُ التي نَحتَضِرُ
فيها
دون أن نموت
هنا يا أَحبّائي بعض الناس يَضعون حَدّاً لِحياتهم
فَقَط لأنهم رائعين وجميلين
ولا يَحتَمِلون السَّعادة،
وآخرون لا يَحتَمِلونَ العَيشَ وَحيدين فَيمُوتون
في تِلكَ البُلدان البعيدة
نَموتُ لِأَنَّ طائرات حَربية تَصعَدُ إلى السماء
تُلقي قَذَائِف، فتَملَأُ المُدن والقُرى بِدُخانٍ يُشبِهُ الفَحم
هُناك يَمُوتُ الناس لأنّهم فُقراء وَجائعون
لأنهم حين يَمرضون لا يَفحَصُهُم طبيب
لأنهم يَظلّون هكذا حتى يَتَعَفَّنون وَيموتون


■ ■ ■


هناك لا نَذهَبُ إلى الحرب
تأتي هيَ إِلينا وَتقضي علينا جميعاً.


* شاعر وأكاديمي مغربي أميركي من مواليد الدار البيضاء عام 1964، مقيم في مدينة نيو أورلينز الأميركية، يعمل مديراً لقسم الدراسات العربية بجامعة تولين (Tulane)، ويدرّس الأدب الحديث فيها. من أعماله مجموعة شعرية بعنوان "رسائل نيو أورلينز" صدرت عن دار "لرمتان" في باريس.

المساهمون