هذه الجسور التي قطعتُها وعُدتُ إليها

هذه الجسور التي قطعتُها وعُدتُ إليها

25 فبراير 2020
سمعان خوام/ سورية
+ الخط -

اكتُبْ على هذا الصفيح؛ وأنصتْ إلى صوت الجارية من أعماق زمنٍ زائل؛ حيث تطرق الأبوابَ باحثةً عن توأمها الرضيع في خلايا المدينة.


■ ■ ■


هذه العوانس والذكريات المتتالية في ظرفٍ قديم كانت لسيّد كلُّه دماء. جدارٌ يخرب؛ صوتٌ ينزف؛ سماءٌ تُشطَف؛ والسِحْرُ صوتُ الرياحين وأشجاني صفحاتٌ من صعلكة الأنبياء.


■ ■ ■


تبقى الكلمات وننسى القلم. ننسى الأنامل. ننسى قوّة اليد؛ والعين وننسى الحبر وألوانه. ننسى الورق وخطوطه؛ لونه؛ لون المصابيح؛ النهار؛ الليل؛ السجّادة. الطاولة؛ ننسى. أنسى الفاصلة بين العين وهذه الكلمات.


■ ■ ■


أنا مصحوبٌ بالنوائب؛ قالها عابرُ سبيل وهو في الليل يتلمَّسُ جدران السماء؛ ويقول كفّي صولةُ المجانين في ليلٍ طويل. إليك عنّي أيها الشهيدُ على وردة الغيب؛ اترُك لي مساحة فارغة لكي أقول الوردة؛ لكي أكتب الغيب.


■ ■ ■


هذه العبارة تختلف عن العبارة التالية. العبارة السابقة تتحدّث عن هذه العبارة. تتحدّث عن العبارة وفي نفس الوقت هي عبارة عن عبارة؛ والعبارة تعبير عن عبارة تكتب نفسها وتتحدّث بعبارة أخرى.


■ ■ ■


يحلمُ بالعالم الطلق؛ المطلق جداً. يحلم بالحرية مطلقةً؛ بالنور مطلقاً؛ يحلم بـ"لا أين". يكاد الصباح أن يأتي. يكاد الحقل أن يمطر. تكاد المرأة أن تعود خاسرةً جمالَها؛ أن تعود إلى أهلها الضائعين.


■ ■ ■


تتداخل الحروف من تلقاء نفسها؛ تتكوّن فتصير كلماتٍ هنا وعباراتٍ هناك. تُعينني على رؤية نفسي؛ على رؤياـ خطفةٍ وأنا مستيقظ. تنهض أنثى إلى نبع جاف؛ تأتي الأخرى وعلى رأسها تنّين؛ وأخرى تجدني عاصفةً وغباراً من الأزمنة المستحيلة.


■ ■ ■


ألا هذه الجسور المظلمة التي قطعتُها وعُدتُ إليها؛ هذه الجسور سحرٌ متواصلٌ بين قدميَّ والمياه. هنا مصرعُ شابٍّ أحبَّ أن تشاهده حبيبته وهو منفيٌّ إلى السماء. هنا بغيٌ عجوز تعبرُ وفي ثيابها الرثّة يموت الزمن؛ والشيخ الذي وصل إلى هذه الجسور كان يطلبُ من العابرين أن يصلّوا من أجله.

■ ■ ■


(إلى يوسف عزيزي بني طرف)

وقد تعرّفتُ إليك منذ عاد غسّان كنفاني إلى حيفا؛ يوم حان الرحيل في الكوابيس؛ وابتدأ كابوس الهجرة؛ أنت بعيدٌ الآن. بعيدٌ جدّاً؛ ومازال لك توقيعٌ في الماء؛ في الحجر؛ في الخريطة؛ توقيعٌ لك في حرية التعبير.

■ ■ ■


يسودُّ الدفترُ الأبيض تحت ضوء المصباح. يدي حولها هالةٌ زرقاء ثمَّ خضراء. بين هذه الحروف التي تُقرأ؛ هناك دوماً فاصلةٌ بين الوَرْقة والعين. الفاصلة تملأها كلمات. تملأها حروفٌ تأتي الواحدة تلو الأخرى وهذه النقطة.


* شاعر من الأهواز

المساهمون