على طول نهر آرنو

على طول نهر آرنو

24 فبراير 2020
(تشينزيا ديمي، تصوير: بييترو زانغريلّو)
+ الخط -

سيغدو موعداً
مسجَّلاً على صفحاتك الأثيرة
لقاؤنا
توقُنا لأن نخوض في بعضنا
ستجد نفسك تمثّل دوراً
ينتمي إليك يشبهك
وسأنزلق ببطء
على المسار القصير
بين العين والذهن
للوهلة الأولى لن يبدو لك الأمر جللاً
ثمّ كلمة بعد أخرى
ستتملّكني
وستحفر إلى أن تجد البذرة

السمة التي توحّدنا


■ ■ ■


فتّشي، فتّشي بين ذكرياتك
عن ذاك الخيط الذي يجمعنا
اعقديه، اعقصيه مع شعرك
الجزء المفضّل من جسدك

لا تدعي أحداً يقصُّه لك

مشّطيه بعناية
صباحاً
في وجهك الجميل في المرآة
ستكتشفين شيئاً صغيراً منّي
ينتمي إليكِ

ستشعرين أنكِ أقوى
وستعرفين أنّ معكِ
جذورك

لا يهم أين


■ ■ ■


كم ليلة وصفت لك
لنصل لهذه الليلة
ليلة الأطباق غير المغسولة
وفتاتٌ
في راحة اليد

المقعد ذاته المطبخ ذاته
- علينا انتظار الصبح -
قلتَ

ثم بعينيك
بحثت عن شيء ما
شيء قصيّ
أخذت يدي
وحلّ الصيف فجأة

فلورنسا الهاربة تلك الليلة
كحقل مزروع حديثاً
- لماذا، هل سألت نفسك؟ -

قبلات ومخمل على البشرة
حبٌّ بلا وعود
غانيات، ترف ورسّامون
فنّانو الشوارع البارعون أولئك
والريح تقود أعذب أوركسترا

بأداة واحدة
دون متغيّرات
نعم وربما كان هناك هو أيضاً معنا
القمر
بخطى حثيثة
من تلك السنوات

على طول نهر آرنو
كانت ترافقنا بارجة
رجفة نارٍ على جلدنا
سترتك
تغطّي كتفي


■ ■ ■


ثمّة حشيشة أكثر خُضرة من غيرها
مسقية كنشيج
من هذا الربيع
تبدو نشيداً
لسنوات شبابك
وأنت ابن العشرين

ابن الأيام الحالكة
الماطرة
السموات الشاسعة
والصاحية على حين غرّة
مشرقة حدّ استحالة خزرها
ابن لا يُخدع

ابن المحنة
ووقتٌ يتضاحك
سخريةً وسحراً

وصدفةً
يجلب لك آفاقاً أخرى
ابن الغروب
ابن اللقاءات
ابنٌ بين الجموع
كحجارة الوادي
مياه فُقدت
لكنها وُجدت بعدما وُهبت
ابن الحياة

أنا أيضاً ارتديت ملابس
خضراء
بلون أفتح
كاليوم
الذي ابتسمت لك فيه ماريا
ووضعتك بين يدي

ابن الغد
الذي لا أزال أحضنه
بذراعي
ولا أقوى على طلقه
لا تلمني
بنيّ عليك أن تذهب


■ ■ ■


عانقني مجدَّداً
في تلك المساحة بين الموجة والصخرة
في الدقيقة نفسها وهي تنصرم
عند اشتعال ذكرياتي
لحظة التهاوي الساحر للمساء
بينما أحاول إيقافك بيدي

ثبّت زمني على انعكاس المنارة
على عطرك المرضّب بالطحالب الرطبة
هناك على الحافة الممدّة للقناة
حيث تبسط ذراعيك للجزيرة
التي لا تمضي بعيداً لو لم يكبح
الهبوط قليلاً هاويتها الملساء

فكر أنّ الأمر لا يعدو كونه
حنيناً لعمرٍ مضى
فكّر أن الطريق التي تؤدّي إليك
هي واحدة فقط وهي فقط لك معبّدة
عليك أن تبلغها لرؤيتك
عليك أن تبلغها لتفهم

ما أهمية بصمتك
ما تبقّى مما وُلد معك
وتحسد النورس الذي يستقر
على رخام عتبتك
ويمدّد جناحيه ليحوم
من صخرة لصخرة على جرفك


أنا على قيد الحياة في هذه الساحة التي
لم تعد ساحتي ومع اهتزاز
القوارب الراسية في مرفأ "بورتيتشيللو
مارينا" حيث تجد لها مهداً في كل مرّة
وتغيب فيها عن الأماكن التي
لم أذهب لها وانتهت الصاريات لها

لا تعد بعد الآن عسايَ أحاول
ترك المياه المالحة هذه تنزلق
على خلفية أيامٍ جديدة بحق
سأحاول رفع الأشرعة والطيران
العثور على منزلٍ بعيداً
عن رياحك الشمالية دون تحيةِ

تلك الشمس التي تنعكس
متوهّجة على معطفك
أفكّر فيك وباسمك
المدفون تحت زهر الصبّار
وعسلِ تين ونوارِ ليلٍ
أتلمّس طريقي مجدّداً.


* Cinzia Demi شاعرة وكاتبة ومترجمة إيطالية. صدر لها: "فلْنلتقِ في الجحيم"، محاكاة ساخرة لوقائع وشخصيات "الكوميديا الإلهية" لـ دانتي أليغييري (2007 )، و"السمة التي توحّدنا" (2009)، و"لقاءات وسحر" (2012)، و"كنت المجدلية ومريم وجبريل" (2013)، و"حفل استقبال الأمّهات" (2015)، و"باسم البحر" (2017). تُرجمت نصوصها إلى الإنكليزية والرومانية والمجرية والفرنسية.

** ترجمة عن الإيطالية أمل بوشارب

المساهمون