العربة وحريق حظيرة الساحرة

العربة وحريق حظيرة الساحرة

17 اغسطس 2019
"غرفة المرايا اللانهائية"، تجهيز لـ يويو كوساما/ اليابان
+ الخط -

لا شيء يأتي ولا شيء يحدث وهذا أفضل، أنا أحب الانتظار، هو يسكنك في الوهم اللذيذ ولا يخدعك. هذه هي فلسفة صاحب العربة السعيدة. وعربته ينتظرها كل مساء حشد من النساء والأطفال.

- خذ "كراميلا" وافتح الراديو "فرانس أنتير" نسمع "إديث بياف" أو "جاك بريل". كنت قد غسلت شعري تواً وتركته يعبث به نسيم مساء يوليو.

- هذا اليوم لن تذهب إلى الوادي، سترافق صاحب العربة وتتجولان حارة حارة لبيع الأشياء الصغيرة للنساء والحلوى للأطفال.

العربة العجيبة تحوي كل الأشياء التجميلية للنساء: الصابون المعطر؛ والحلي الرخيصة؛ والكحل؛ وأحمر الخدود. القرويات لا يعرفن أحمر الشفاه، يفضلن قشرة شجر الجوز. توجد في العربة أيضا أشياء أخرى مفيدة مثل الإبر؛ والمرايا الصغيرة؛ والعطر الرخيص. أما بالنسبة إلى الأطفال، فهناك جل أنواع الحلوى العسلية والبيسكوي والعلك.

- البيع لا يهمني ولا النساء ولا حتى الأطفال. يخرج غليونه ويدخن الكيف بهدوء ويحكي. وهو يحكي دوماً بسخرية.
- أن تنتظر هو أن تراقب، وأن تراقب هو أن تلاحظ، وبالملاحظة تجمع المتفرق وتفهم، وأن تفهم هو أن تفلسف الحياة وتعيش. الفلاحون لا يعيشون لأنهم لا يبصرون. أن تبصر هو أن تعرف من التي تخرج من الزاوية الفلانية كل مساء، ومن يراقبها. رغم كونهما لا يلتقيان إلا في الخيال. إنهما يلتقيان في الانتظار. أنا والتلاميذ نحب بعضنا، ليس من أجل الكراميل كما يظن الآباء، إننا نشترك في الانتظار، هم يكرهون المدرسة وينتظرون، وأنا أكره الدنيا وأنتظر.

هو يتكلم بسخرية وأنا أضحك، ويتركني أدفع العربة العجيبة بين المسالك والشمس كرة عملاقة بين المزرعة والسماء. التمر أينع وأصبحت حباته الخضراء تتساقط على سطح العربة. اليقطين اخضرت أوراقه الأخطبوطية وغطت أرض بعض الفدادين. رائحة الخوخ في كل مكان.
- الفم جرح والكلمات ألم.. عند نهاية الساقية الكبيرة قبالة نهاية التلة عند دار القايد فاجأنا هديل حمام وأوقفت العربة وأشرت إليه أن يسكت. لم يعد الآن في الفضاء غير الهديل والنقيق. وحلق سرب ملائكة كبير جداً حط على أغصان الزيتونة العملاقة. تنهد وأخرج الغليون للمرة الألف ثم ضحك. هو دوماً يضحك.

- كي أثبت لك أن الدنيا لا تساوي عندي جناح بعوضة أحكي لك كيف عثرت بالصدفة على صرة مملوءة نقوداً لما كنا أنا وأنت نذهب إلى المدرسة. أقسم لك أني لم أفتحها، وانتظرت شهرين لعله يسأل عنها من فقدها. بعد ذلك أعطيتها لأمي، وهي أيضا أقسم أنها لم تفتحها بل خبأتها في كومة شعير.
- بما في الصرة اشتريت العربة لما طردني المعلم من المدرسة. استأنفنا المشي حتى لاحت الحارة الأولى بين النخيل. الشيوخ تحت شجرة سفرجل بئيسة ينتظرون الموت الذي يأخذ بعضهم كل موسم شتاء. وغير بعيد يصخب الأطفال، يلعبون كرة صنعت من بقايا الأثواب. أما النساء فهن الآن فوق السطوح تفضح تواجدهن خيوط الدخان التي تنبعث من كل دار.
- تبيعون قبل محاصيل الحصاد، أشار أحدهم ساخراً.
- نحن لا نبيع، رد صاحبي، نحن نتجول ونغري أطفالكم ونساءكم بما لا تستطيعون شراءه.
- عمل الشياطين إذا.
- تماما، الشيطان يغوي الرجال ونحن نغوي البقية. تنهد صاحبي وأخرج الغليون.
- هيا إلى حارة الساحرة أشار. ودفعت العربة. لم نكد نصل تخوم الحارة حتى سمعنا صخباً وهرجاً. لقد أشعلت الشياطين النار في حظيرة الساحرة، وأهل القرية يحاولون إخماد النيران. تركنا العربة وهرولنا تجاه موقع الحدث. كنت أناول صاحبي سطل الماء ويفرغه فوق التراب غير مبال بالنيران التي تلتهم الخراف. انتهت المحرقة بكارثة حقيقية، ورجعنا إلى العربة التي وجدناها قد خلت من كل شيء. جلس صاحبي وأخرج غليونه ونفث دخاناً كثيفاً من أنفه ثم ضحك.


* كاتب من المغرب

المساهمون