لم يزد الوردة إلّا سُكراً

لم يزد الوردة إلّا سُكراً

10 يوليو 2019
مقطع من عمل لـ غيلان الصفدي (2018)
+ الخط -

نحن الذين أغرَقَنا الخبز

نحنُ،
الذين سِرنا وحيدين نحو الوَحدة؛
سَعفُ نخيل هذا العالم
علَّقوا علينا
ملابسهم الداخلية
بصلتان صالحتان للبكاء
أحمرُ شِفاهٍ ينفع لرسم ابتسامةٍ واحدة
ورقةٌ من فئة الـ 50 دولار
وأغنيةٌ بشعة لموتورهيد
نحنُ لم نرد أيّ خبزٍ من أحد
لأن الخبز الذي أُعطي للصبيّ في غَرَقِه
لم يحوّله إلى سمكة
الغرق هو ما يجعل السمكة سمكةً
هكذا الوحدة،
كل من حاول اصطيادنا منها
ترك لنا طُعماً ثقيلاً
وذهب.


■ ■ ■


بائع الحزن

أريد أن أقف في حقل كبيرٍ من التبغ
زرعته بيديّ
أريد أن أعود إلى الجنوب
حاملاً في صدري حزن المدينة الكبير
لأدسّه في حقل التبغ
لأبيعه للعالم
ليدخّنه العالم
ليكون كل ما أريده
أن يعرف العالم كلّه ما عشته في صباي
أن يحملوا في صدرهم، ما حملته معي في صدري
أن أبيع حزني ذاك في حقول من الفرح
أن أعمل بائعاً للحزن
وأكسب المال جرّاء بيعه.


■ ■ ■


هكذا قصفوا عنق الوردة

كلّنا وحيدون إلى أن نموت
بعدها يحبّنا الجميع
يعدّون خصالنا
واحدة تلو الأخرى
يتذكرون ضحكاتنا
يخبرون بعضهم في الجلسات
كيف أنّنا لم نبكِ يوماً
ثم يشربون معاً كما شربنا؛
إلى أن ثملت قلوبنا
هكذا يحبّون الوردة
التي كانت مرمية في الحقل
يكسرون عنقها
يبيعونها، يشترونها، يهدونها باسم الحب
إلى المكسورة قلوبهم
يهديها صبيٌّ إلى فتاة
بعمر الوردة
تضعها في مزهريّة
على طاولة غرفة الجلوس
تضع عمرها معها
تسقيها، تعتني بها
ومن ثمّ مع الوقت
تذبل وتموت
ولا يبقى للفتاة شيءٌ غير الذكريات
تحاول أن تلتقط من رأسها
ذكرى واحدة بيضاء كفراشة
لكن كلّهم كذبوا حينما قالوا
إنّنا ضحكنا يوماً
وكذبوا حينما ظنّوا أنّنا لم نبكِ يوماً
وأنّنا شربنا معاً يوماً
لكن الفتاة التي تحمل عمر الوردة
أدركت أن الماء الذي سقتها إيّاه في المزهريّة
لم يزد الوردة إلّا سُكراً
سقتها حتى ماتت
مثل الشاعر الشاب (طرفة بن العبد)
الذي طلب من جلّاده أن يسقيه خمراً حتى يسكر
ومن ثم يحيله على الإعدام
هكذا قصفوا عنق الوردة
ومن ثمّ قالوا:
كان عناقاً شديداً.


■ ■ ■


الشعر سينما المرفوضين

رسبت مرّتين في امتحان السينما
لم أكن كفؤاً بما فيه الكفاية
يقولون بغير وجه حقّ
أني لست سينمائياً كفايةً
كي أكون دايفيد لينش
ولست نازيّاً كفايةً
كي أكون هتلر، أعاود رسم العالم بالصواريخ
لو أنهم لم يرفضوا ذاك الشاب الطموح
الذي لا يتعدّى طوله 170 سم
ولم تتعدَّ ريشته ألوان العالم الخضراء
لو أن أحداً في هذا العالم لم يتعرّض للرفض
لظلّ العالم أخضر مثل ملعب غولف
لكنّ الكرة البيضاء الصغيرة
التي تلفظها حفرة اللعب
مثلما يلفظ الحوت المحيط من ظهره
قرّرت أن تحرق فكرة العالم الأخضر
أن تحوّل العالم كلّه حفرة سوداء كبيرة
كي تبيت فيها آمنة
ولكن ماذا لو انصرف هتلر إلى الشِّعر
لكان أحرق العالم حقّاً
لظلّ على قيد الحياة
لكنه مجنون.
وها أنا الآن أكتب الشعر مثل المجنون
عاجزٌ عن اختراع صورة بغير الشِعر
عاجزٌ أن أسقي البحيرة بغير إبريق الريّ
حملت المظلّة لأقدّمها قرباناً للسماء
حملت قفص الهرّة لأصطاد الخنزير
لكنّ العصفور الذي يحتمل العاصفة
يصطدم بالشجرة ويموت
الشِعرُ عصفورٌ، قفصٌ، مظلّةٌ، إبريقٌ
نبتةٌ تلبس معطفاً
تموت جافة على الطريقة الإنجليزيّة
الشعر قاسٍ بجماله
يخترع أسباباً لكل شيء
حتى الحزن
يصبح مثل تنورةٍ ترتديها صاحبتها في جنازة
قلبي ميّتٌ أمام جمال فخديها.


■ ■ ■


كل ما أريده هو التذكّر

في التأمّل،
يقولون لنا: ابحثوا عن مكانكم السعيد
أنا ليس لي مكانٌ سعيد
لديّ فيلمٌ جميل
روايةٌ جميلة أحبها من قلبي
شاعرٌ مفضّل وجملةٌ مفضّلة:
"كلّ ما أريده هو التذكّر"
أنا مثلك أيّها الحارس في حقل الشوفان
أودّ أن أحرس الأطفال في حقل واسع
كي أمنعهم من السقوط عن منحدر هذا العالم
أودّ أن أجلس على طاولة
مع صبيّة رقيقة، رقّة الورد
أن نشرب إلى حدّ الثمالة
ونتأمل بعضنا البعض
لنسير في الليل تحت ضوء الشرفات
من غير أن يردعنا شيءٌ أو أحد
عن مواصلة البحث عن مكاننا السعيد.


* شاعر من لبنان

دلالات

المساهمون