لا تقرأوني عندما تكونون على حق

لا تقرأوني عندما تكونون على حق

03 يونيو 2019
(نيكوس كاروزوس)
+ الخط -

خاتمة رومنطيقية

لا تَقْرَأوني ما دُمْتُم
لم تَحضُروا جنازاتِ مَن لا تَعرفونَهم
أو أقلَّهُ ذِكْرانيّاتِهم.
ما دُمْتُم
لم تُخَمّنوا القوّة
التي تَجعَل الحبَّ
نِدّاً للمَوت.
ما دُمْتُم لم تُطَيّروا طائرةً وَرَقيّة أوّل أيّام الصوم الأرْبَعيني
من غير أنْ تُعَذِّبوها
بِشَدِّ الحَبْلِ أَكْثَرَ فَأَكْثَر.
ما دُمْتُم لا تَعْلَمون متى شَمَّ الزُهورَ
نوستراداموس.
ما دُمْتُم لم تَذْهَبوا ولَو مَرّةً
إلى صَلاةِ إنْزال المَصلوب.
ما دُمْتُم لا تَعْرِفون أيّ فِعْلٍ في صيغة الماضي الأَسْبَق.
إذا لم تَكونوا تُحِبّون الحَيوانات
وخصوصاً ابنَ عِرس.
إذا لم تَكونوا تَسْتَمْتِعون بِسَماع الصَواعِق في أيّ مَكان.
ما دُمْتُم لا تَعْلَمونَ أنَّ الرائعَ موديلياني
في الثالثةِ لَيْلاً وهو سَكْران
راحَ يَطْرُقُ باب صَديقٍ بِعُنْفٍ
بَحْثاً عَنْ قَصائدِ فيون
وراحَ يَقْرَأُ بِصوتٍ عالٍ لِساعاتٍ
فأزَعَجَ الدُنيا.
عِنْدَما تُسَمّون الطبيعةَ اُمَّنا لا خالَتَنا
عِنْدَما لا تَشْرَبونَ سُعَداءَ الماءَ البَريء.
إذا ما فَهِمْتُم أَنَّ الرَبيعَ هو زَمَنُنا.

انْتَبِهوا
أَلْوان
لا تَقْرَأوني
عِنْدَما
تَكونونَ
على حَقّ.
لا تَقْرَأوني ما دُمْتُم
لم تَبْلُغوا القَطيعةَ مع الجَسَد...
حانَ وَقْتُ أَنْ أَرْحَل
لا صَدْرَ لي بَعْدُ يَحْتَمِل.


■■■


مخطَّط لمُسْتَقْبَلِ السَماء

يا كُلَّ السَماءِ يَتَفَتَّحُ زَهْرُ
صَوتي عالياً
رَحَلَتْ كُلُّ طُيوري في الشِتاء
لَسْتُ أَنْتَظِرُ في هذي الأماكِنِ، أُحَرِّرُ
لامِساً، صَحْراءَ جِدارَ المَطَرِ الشائِخ
ومِثْلَما يَجيءُ منَ الغَدِ،
مَعَ طَيْفِ الرُعْبِ أَتَقاطَعُ ثانيةً.
يَقولونَ هو ذا الربيعُ،
ليسَ صَيْفاً أمّا أَنا
فَلْأُوَسِّعِ الخُطْوةَ وهنا مَنْسيّاً
فَلْأدُلَّ على الأبَديّة.
ثُمَّ إنّ لي الأَجنِحةَ، أُسافِرُ
فَوقَ أَعْذَبِ
عَذاباتِ الصَيْفِ بِجَمالِ الربيع.
أَسْمَعُ قَرْعَ طُبولِكَ أيُها المُسْتَقْبَليّ
لكِنْ تَحَرَّرْ مِنّا
لا يَعودُ الزَمَنُ إلى الوَراء فَقَط يَحْتَرِمُ
الجَسَدَ بِأزاهيرِهِ
لِهذا إذاً يَسْحَقُهُ.
إنْسَنا.
أَسْمَعُ فَرَحَكَ، أنتَ وِلايةُ الإله،
الحقيقةُ والطَريقُ، أَغْصانٌ فِضّيَّةُ
اللونِ تَحْتَ القَمَر،
شَجَرَةُ البُرْتُقالِ الشَذيّةُ، الرُمّانةُ،
صِياحُ الديكِ السَعيدُ.
عِنْدَما يَصيحُ الديكُ كَيْفَ يَفْطُرُ قَلْبي،
بِأَيِّ صَحْراءَ يَذيعُ وَسَطَ الظُهْرِ المُهْتَرئ؟
عوضَ الشتاءِ أَحُسُّكَ مَطْرَحَ العِشْق.
تُشْرِقُ الشَمْسُ والظِلالُ المَيْتةُ
يَلُفُّها نورٌ كَفَنٌ عَتيقٌ رابِطاً
موسيقاي إلى التِماعات.
الليلُ طَويلٌ والشِعْرُ وَطيء لِلمُكْرَهين.
آلافُ الحُروبِ تَدورُ الآنَ في جَسَدي.
أَيْنَ سَنَواتُ الخُزامى...
كانتِ الشَمْسُ تُدْمي رُكْبَتَيكَ والناسُ
كانَ يَبْدو فَهْمُهم سَهْلاً
مِثْلَ النَباتاتِ والمَطَرِ والسَماء!
والآنَ ها قَدَرُكَ
داخِلَ المَدينةِ المُريعة
بِمَنْزِلٍ مُعاكِسٍ وريحٍ مُعاكِسة.
صَخْرَةُ الحُبِّ الآنَ قاحِلة-
لا تَنْسَني
فَوقَها على تَحَجُّراتِها المَسائيّة
إذا القَمَرُ قَميصٌ ناصِع.
لا تَنْسَني أَيُها الهَواءُ الأَعْمَق.
في الليلِ نَتَنَهَّد.
أَحْلى قَمَرٍ يُضيءُ صَنَوْبَراتي.
لقد ولّى مُنْتَصَفُ اللَيل
وما زِلْتُ أَتَقَلَّبُ على سَريري المُرّ
إنّني صَحْراءُ بِأَشْجارِ غار، وَحْدانيٌّ
تاهَ في الأَصْواتِ البِلَّوريّة السَحيقة.
أَوْراقُ قَلْبي المُرّةُ السَوْداءُ
نَفَسٌ طالِعٌ مِن داخِلي المُبارَك
لم يُحَرِّكْها. الآنَ في زَوابِعَ
قَدْ تِهْتُ، في ما مَضى قَدْ كُنْتُ
مَلاكَ المَرْئيّاتِ كَما أَحَبَّ بِعُمْق.
أَسْمَعُكَ أَيُّها الباهِر-
كَيفَ يَرِدُ صَوْتُكَ مِنَ الريف.
أَلْحاني المُتَواضِعة أَلْحانُ شَبّابات
إنّني مَوجودٌ وأسْمَعُ الرِثاء.
كُنْتُ وَقْتَها أُغَنّي:
يا عِشْقُ قَدْ سَكَنْتَني جِدّاً
ارْحَلْ عَن هذا البَيْت.
لا شُبّاكَ بَعْدُ لِيَخْرُجَ مِنْهُ.
على الشَجَراتِ عُزْلَتي
أَغْبارٌ فَقَط وأَدَواتُ الروح.
لا وُجودَ لِلأَيْقوناتِ المُقَدَّسة
يا عِشْقُ لا تُصَوِّبْ- بَعْدُ.
يَجِبُ أنْ أَبْدَأَ مِنَ النِسْيان.
لا تَدُلَّ- أنا الجَسَد
غيرُ المُجْدي لِلمَوت والمَوْتُ
الراجي وَرَقةَ شَجَرة.
صَوْتي يَتَهَدَّج.
لكِنّني لا أَسْتَسْلِمُ إزاءَ
هذا الغُروبِ مَرْعوباً
أنا بِكُلِّ دَمي
هكذا مِثْلَما تَألَّمْتُ بِلا نِهايةٍ على الدُروب
بِكُلِّ هذا التَحَسُّرِ على حُدودي.
السَماءُ في الشِتاءِ الداكِنِ الزُرْقة.
النورُ يَصْرُخُ مَعَ الصاعِقة.
أنْ تُنْقِذَني الأَحْلامُ أو أَنْ تَسْحَقَني-
سِيّان.


* Nikos Karouzos شاعر يونانيّ وُلِدَ في مدينة نافبليو عام 1926، ورحل عام 1990 في أثينا. سُجِنَ ونُفي عدّة مرّات بسبب انتمائه اليساريّ. يتوازى في شعره الرمز الدينيّ والواقع اليوميّ الغارق في تفاصيل لحظاته. كثافة لغته يعبّرُ عنها إيقاعٌ نَحويٌّ فريد.
** ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا

المساهمون