ناحية السكون التام

ناحية السكون التام

24 يونيو 2019
(الشاعرة)
+ الخط -

قلقتُ

قلقتُ كثيراً. هل ستنمو الحديقة، هل سيجري
النهر في وجهته الصحيحة، هل ستدور الأرض
على عادتها، وإن لم تفعل، فكيف لي
أن أصلح الأمر؟
أكنت على صواب، أكنت على خطأ، أسيُغفر لي،
أيمكنني أن أقوم بالأفضل؟
هل سأتمكّن يوماً من الغناء، حتى عصافير الدوري
تغنّي، أما أنا فقد
أصابني اليأس.
أيخذلني نظري، أم أنّني أتخيّل الأمر،
أسأصاب بالرثية،
أو الكزاز، أو الخرف؟
بعد حين أدركت أن قلقي لم يسفر عن شيء.
فتخليت عنه. وحملتُ جسدي المُسن
وخرجت مستقبلةً الصباح،
وغنّيت.


■■■


البجعة

هل رأيتها أنت أيضاً، تطفو طوال الليل على مياه النهر السوداء؟
هل رأيتها في الصباح، تصعد الهواء الفضّي
كباقة من الزهور البيضاء؟
أو كعاصفة من حرير وكتّان، تميل
طاعة لأجنحتها؛ أو كمنحدر ثلجي، أو ككومة من الزنابق
تخمش الهواء بمنقارها الأسود؟
هل سمعتها تغنّي وتصفّر
هل سمعتها وهي تطلق موسيقاها المظلمة كالمطر الذي يرشق الأشجار، كالشلال
الذي ينحت النتوءات السوداء؟
وهل رأيتها، أخيراً، تحت الغيم
صليباً أبيض يشقّ عباب السماء، وأرجلها
كالأوراق السوداء، وأجنحتها كضوء النهر المنداح؟
وهل أحسست بها، في قلبك، هل شعرت بارتباطها بكل شيء من حولها؟
وهل اكتشفت أنت أيضاً، وأخيراً، ما هو مغزى الجمال؟
وهل غيّرت حياتك؟


■■■


عندما سيأتي الموت

عندما سيأتي الموت
كدبٍّ جائع في موسم الخريف؛
عندما سيأتي الموت ويُخرج نقوده اللمّاعة من
محفظته
ليشتريني، ثم يغلقها؛
عندما سيأتي الموت
كالحصباء
عندما سيأتي الموت
كجبل جليدي بين عظام الكتف،
سأرغب بأن أخرج من الباب وكلّي فضول،
وأن أتساءل:
كيف سيكون الأمر في كوخ الظلام ذاك؟
لذلك سأجيل بناظريّ على كل شيء
وكأن كل شيء جماعة من الإخوة والأخوات،
وسأنظر إلى الوقت بصفته فكرة لا أكثر،
وسأعتبر الأزل مجرّد احتمال،
وسأفكّر بكل حياة وكأنها زهرة شائعة،
وفريدة، كالأقحوان،
وبكل اسم وكأنه موسيقى خفيفة على اللسان،
تميل، ككل الموسيقى، ناحية السكون التام،
وبكل جسم وكأنه أسد من الشجاعة، وشيءٌ
ذو قيمة على هذه الأرض.
وعندما ستنتهي، سأودّ لو أقول، كنتُ طَوال حياتي
عروساً متزوّجة من الذهول.
وأنني كنت العريس، أحضن الكون في ذراعيّ.
وعندما ستنتهي، لن أرغب بأن أتساءل
ما إذا صنعتُ من حياتي شيئاً معيّناً، وحقيقياً.
ولن أرغب بأن أجد نفسي، متنهّدة مذعورة
أو مليئة بالخصام.
ولن أرغب بأن ينتهي بي المطاف محض زائرة
لهذا العالم.


* Mary Oliver شاعرة أميركية من مواليد 1935 ورحلت بداية السنة الجارية. من أعمالها: "لا سفر وقصائد أخرى" (1963)، و"13 قمراً" (1973)، و"ساعات الشتاء" (1999).
** ترجمة: أنس الحوراني

المساهمون