حكايات يغمرها الثلج

حكايات يغمرها الثلج

04 مايو 2019
باية محيي الدين/ الجزائر
+ الخط -

حين خرجتُ من داري القديمة
لم أَكتُب وَصِيَّتي على وَرَقِ بُردي
كَتبتُ رسالتي ودَفَنتُها في جوفِ ريش الحمام
ثُم قُلتُ لها تَعرفينَ دار جدّي وجَدَّتي ومَنازِلَ الرُّعاة؟
وهكذا، قَبل أن أُفارق اسمي
وضَعتُه في صُرَّة مع ما تُخَزِّنُه أَسرارُ الجَدّات
حتى إذا عُدتُ شَمَمتُ رائحَتي
فَيرتَدُّ لَي بَصَري
حَمَلتُ ما تَبَقى من موتي بعدَها
وهَجَمتُ على المجهول



أنت الآن هنا
سَتجِد عملاً في مطعم
تُقَطِّع فيه الطماطم والبصَل
وبعضاً من جرحك
وفي الليل تختفي كالمجرمين
سَتَسكُنُ بُيوتاً تُشبهُ الخرائب
ستلتقي بِسماسرة الغُربة جاهزين
سيأخذونكَ إلى مقهى
وبعدها إلى مَسجد
ستستمع إلى مَوتِك في حكايات
يَغمُرها الثلج
وَسَترى بِعَينيك
أَنّ مَن يَسكُنون المدينة
لا يَسكنون المَدينة
وإن كُنتَ محظوظاً
ستجِد امرأة بَدينة تَشتَهيكَ
وَبَعدها تَدخُلُكَ كَخِنزير بَرّي
ليس مُهِمّاً ما كان يَحدُث بينكما
المُهِمُّ أَنَّكَ تَسكُنُ في حيطانِها وهي تَسكُنُ في عظامك
وحتّى هذا ليس مُهمّاً
المُهِمُّ أن ثمة أشياء كانت تَنكَسِر فيكما
حين وَصَلَ إلى هذه الأرض التي لا تُشبِهُه
بَدأ يَتلَصَّصُ على الأشجار والنباتات
وعلى موسيقى المدينة وأعراسِها واحتفالاتها
كان يرقُص حتى يَتطايَرَ العَرَقُ منه
وأحيانا يَتمرّغُ في التراب
كَأنّهُ أحد بَهاليل مدينة مراكش



هُنا
لا أَحَد يَنتَظرُ أحداً
لا تَفَكّر بأنّ حياتَكَ كانَت أجمَل في مكان آخر
أنت حيث تَبيتُ الطّيور
وَغُربَتُكَ
هي كَسرٌ للرّوحِ والجَسَد وعمى يُصيبُ العينين
فلا تَرجع حتى يَرتَدَّ لَكَ بَصَرُك.


* شاعر من المغرب

المساهمون