قرب هضبة القرية

قرب هضبة القرية

09 ديسمبر 2019
محمد نبيلي/ المغرب
+ الخط -

كانت القرية
وَرُعاة السديم
وَجُنود يَثْقُبونَ الهواء
بِرصاص بَنادق الصيد الصدئة
كُنّا أَطفالاً،
قَبل أن تُولَد الهَضبة من رَحِم اليأس
بِجوار سَفْح الجَبل

حَيثُ كنا نَلْعبُ بِغيومٍ أَلقَاها نسر
مِن أعلى سماوات الأرضِ
وبَقِيَت عيوننا إلى الآن مَخْطوفةً
إِلى الأعلى، وسَفحِ الجَبل؛

هناك،
حَيث وُلِد رُضَّع بِمَحَاجِرَ
وَجَد فيها أجدادنا لؤلؤاً وحريراً
قِيلَ إنها لعابري عُصورِ الأبدية،
وكانوا يلحّمون الفراغات في الهواء
ويَقذفون بداخلها الذهب.
لِذلك،
كُنّا نَستيقظ باكراً
كي نبحث عن الذهبِ المنسيّ في السديمِ
بيد أننا، سُرعان ما نعود أَدراجنا
بِسبب غُبار التاريخ المتراكم،
وحَوافر خُيِول القوافل العابرة،
ونَكتفي بالحليب الذي يَفيض من الجرارِ
ومن سُحنة القمر المختفي خَجلاً مِنَ النَّهار،
بَعد أن نزع عنه الليل رِداء الوقارِ
ونَسِيهُ أَطْفال في كرّاسات بئيسة...

ورُبَّما خَطَفته نُسور
مِن كواكب بدأت تَسْقط مع أمتعة المطر
وبَدأ سَفحُ الجَبلِ يَلْمعُ
بَعيداً عَنْ ضوضاء العالمِ
وآلامِ الحَرْبِ،
وفِضَّة الغَيم المُختلطةِ بدموع الطيور
قَبل أنْ يَتحوَّل إلى كِيمياء الأزْرقِ
هذا الغَيمُ الفَرحان بأطفالٍ
وأحلامِ شُعراء وُلدوا في غابة،
حَيثُ كنّا نَختبئ أحياناً
نَحْنُ أَطفالَ الحربِ، نَخْتبئ
بِلا زاد، بِلا عُيون، نختبئ
خَلف أَشْجارٍ سَقط منها ضوءٌ بدلَ الثِّمار

بَيْدَ أَن أشعة شَمسٍ قديمة هَبطتْ سلالمَ لولبيةٍ
كانت تَسْحبنا مِثل جُثَّةٍ
نحو بِئر الحياة
قَبْل أن نَتطايرَ كذرّاتٍ رملٍ
ونسقط قرب بئر آخر،
كَأسمال مُلقاة
على قَارعةِ الطريقِ. الحَربُ
ونُقط الدَّمِ
ورِمَاحُ المطر الذي يَهذِي بأمتعتِهِ
والحُكَماء المُوفَدون إلى جَماعةِ النساء،
والغُيومُ الفاسدةُ
قربَ بُحيرةٍ مَيِّتة.

وَالباحِثُونَ
عَنْ جَمَاجمِ النُّجومِ
بَيْن أنقاضِ الليل،
وأطْفال ظَهروا فجأةً
من خلف أَسْيجة الأملِ الشَّائِكة.

كُنّا نَنْتظرُ أحياناً
العائدينَ من بحار الظلمات
بلا أمل، بلا يأس
فالحَرب تَشْتعل كبركانٍ
والأَدخنةُ تَتلَّبسُ الهواءَ
والهواءُ مرايا شفافةٍ
مِثل قلُوب أَطفالٍ القرية
وهُم يَفْترشون عَراء الزمنِ
ويَعْبَثُون بِعِظام النَّهار المتآكلة،
قَبْل أن يَدلق قَمرٌ رومانسي جميل
حَليباً طَازِجاً على أجسادهم،
ويَسْتسلموا لِنوم الزلزال
فَوْقَ أرضِ الخراب.


* شاعر من المغرب، والنص مقطعٌ من قصيدة طويلة

المساهمون