مغادِرةً دوامات الطفولة

مغادِرةً دوامات الطفولة

28 ديسمبر 2019
(آنا لويزا أمارال في البندقية، 2015، تصوير: بربارة زانون)
+ الخط -

أفكار نبتة

إبر صنوبرية الشّكل
معقوفة، رنّاتة
ومُسَربَلة باللون الأخضر،
مع فاصل بنّي صغير تُرك لفلقتَي حبّة الكستناء

أو ربما
سيف ذو حدّين:
كما الحب

أو لسان منشعب
إزاء الشمس
لتنّين انبعث من جديد
وقد أطلق ذراعيه المجنّحتين،
ورفع أفعواناً بإجلال
حاميّاً
نفثات لهبه.

نار خفيفة تضطرم رويداً
رويداً،
قادرة أن تُعيد للريح
اكتمالها:
ليس ثمّة شوك رنّان بمثل هذا الكمال
ولا بهكذا سطوع ثاقب.


■ ■ ■


البحر الأبيض المتوسّط

كفّت بِحار هوميروس
عن جَلبِ سفنهم المهترئة

باسم من لا اسم لهم، تتابع تقدّمها
عبْر صحارٍ رمليّة؛ صحارٍ لا معنى لها،
ووجوه مجهولة بلا شكل،

في أعماق الصحراء، تتقدّم، حيث قطرات الدم، حبّات الرمل،
وأبو الهول.
وما فتئت تتقدّم
باسم الكثافة المتدفّقة والمُفعمة بالحيوية؛
المُحْتسَبة بالأطنان،


حيث المطاحن الإلهية تطحن رويداً رويداً
طحيناً فاخراً.
بحار عقيمة من رمال.


■ ■ ■


أرض الشعب المختار، أو عِظة على الجبل

هل كانت إذاً
الأرض السرّية،
أرض الميعاد
والحظ الحسن؟

أرض الهِبات
والاضطجاعات الرخيّة،
حيث سخاء الكون
يناقض
الواقع الغثّ
للرحلة؟

هل كانت إذاً
أرض الميعاد،
المكان الإلهي
للمصطفّين الأخيار؟

هذا ما بدا
من الحدود المائية التي
من حليب وعسل
للأخيار
ومن علقم ودم
للآخرين.


■ ■ ■


عناوين بارزة

لن تأتي الآن، لأنني ببساطة طلبت منك ذلك
في تلك القصيدة،
أعلم أنك لن تأتي رغم أنه يوم الأحد
حتى أنك لن تُحضر يوم الأحد معك

القطّة حضرت بدلاً منك
وقضتْ الوقت بطوله
متكوّمةً عند قدميّ على اللحاف المحشيّ
بزغب البطّ، أخيراً طلبت مني
بمخالبها المعقوفة أن أزيح الملاءات،
ففعلت وغاصت داخلاً.

لو كانت تلك القصيدة لـ "جون دون"،
لتمكّنتُ من قول أشياء أخرى،
والقطّة وكلّ ما يتعلّق بالملاءات سيكون مجازاً.
ولكن ليس هذا ما حصل هنا بالضبط.
حتى أنني لا أفكر بتلك الأوقات الغيبية،
بل بالزمن الذي نعيشه الآن،
وبك قليلاً

ولذلك ليس لديّ أي خِيار
سوى أن أتبنى عدم الاختيار هذا،
الفوضى أطلقَت عنانها، وليس ثمّة ما يدلّ
على أنه يوم الأحد، بل يوم عادي كغيره.
ودون وعي غفَتِ القطّة تحت الملاءات
غير عابئة بي ومتجاهلة قدميّ.


■ ■ ■


أشياء

منْحُ اسمٍ لأشياء
ليست سوى أشياء لأن العين
تميّزها على هذه الشاكلة
وترسلها إلى عدّة عصبونات
لتحفظها عن ظهر قلب.
بصرف النظر عن أنها مهمّة
عادية.
الأمرُ عينه بالنسبة للوجه
ببنّيته الجارحة الرقيقة
والبشرة المرتجفة التي تُرسل ارتعاشاتها
عبر شبكة الخلايا العصبية
والقلب كذلك
ما الذي تبقّى
تلك الأبعاد قد حُدّدًت سلفاً
هل يعني ذلك عدم فهم أي شيء على الإطلاق
وهذا الإحساس بعدم جدوى
تلك المقاطع
التي حُكماً تنشد ملاذاً داخل تلك المنعرجات
الدافئة والشقوق النابضة بالحياة
بفعل الخلايا والعروق الدقيقة
حيث تتشتّت الأحوال وتتعثّر
أو لون هاتين العينين
الذي أعي تدريجياً أنه لون عينيّ،
ولو أنني لا أعرف كيف أفسّر الأمر،
ولا يسعني سوى أن أميل إليه.
ولذلك ورغم كل شيء أتحدّث عن الأسماء
لأنني عاجزة عن إيجاد
وسيلة أخرى.


■ ■ ■


منحنيات التعلّم

كانت دراجة سوداء مصنوعة من الكروم
على مقودها شريط طويل يطوّق العجلات بسخاء
كما بدا العالم في حينها

في الصباح التالي،
أنا عاجزة عن حفظ توازني،
إلى جانبي أبي متشبّثاً بسرج الدراجة،
يده مسبار فذّ وحاذق
ومن ثم غدا صوته تعباً ومنهكاً من الجري
محاولاً أن يواكب الدراجة
الآن.. سنوات مرّت على تلك الأحداث المماثلة
لانطلاق ابنتي على دروب أخرى
أخيراً أدركت وأنا
أقود تلك العجلات الأكثر حداثة
أن المشاعر هي ما كنت أسمعه من خلال
أنفاس والدي المتقطّعة
وخوفي من السقوط
رغم يقيني أنني لن أسقط،
غير أن رغبتي الغامرة
تاقَتْ أن أكون هناك
وأنا على وشك ولوج ذلك العالم البالغ
غير المستقر،
مغادرةً دوّامات الطفولة.


■ ■ ■


تخلّ

أخليت كتاباً على مقعد الحديقة
يا للحماقة
لم تكن مصادفة
أنني تركت كتاباً رغم أن الشمس كانت على
وشك الأفول والبحر غير المرئي من الحديقة
كان يبرق كما لم يفعل من قبل
في الواقع لم تكن الأرض حقيقية،
ولم يكن ثمّة بحر بل مجرّد سهل
وزمن من سعادات تلاحَقَت في الوهج،
والبحر غير المرئي "كما أسلفت"
بدا في حدّ ذاته شيئاً مُبهماً،
وفي الوقت عينه مُزرياً للغاية،
ذلك أن الكتاب محض فكرة
تجلّت بالصدفة، وأنا على متن القطار
حتى أنها لم تكن تخصّني، بل تعود لشخص آخر
منحني إياها بكياسة
من أجل فكرة خالصة،
تنتقد أزمنتنا الشائكة
الأكثر جنوناً من الريح،
فكرة خالصة وحرّة
ترجّح أن كل ما يبتغيه الزمن:
كتاب متروك على مقعد في حديقة
هذا ما تمّ ما بين زمن عبور القطار لتلك الورقة
غير المناسبة للكتاب
وزمن السعادات التي حدثت بالصدفة،
وأقسم أنها موجودة كما الوهج والبحر المستتر
الأمر الذي لا شيء يؤكّده،
وكذلك مقعد الحديقة
حيث وددتُ لو أنني تركت الكتاب،
غير أن ذلك مرئي فقط
في تلك القصيدة على خطّ الأفق.


* Ana Luísa Amaral كاتبة وشاعرة ومترجمة برتغالية، وُلدت في لشبونة عام 1956. حصلت على دكتوراه في شعر إيميلي ديكنسون، وتُحاضر اليوم في جامعة بورتو. نشرت مجموعتها الشعرية الأولى "سيدة ماذا" عام 1990، وصدر لها أكثر من ثلاثين كتاباً بين الشعر والمسرح والترجمة والدراسات الأكاديمية داخل البرتغال وخارجها.

** ترجمة لينا شدود

المساهمون