اليأس

اليأس

07 نوفمبر 2019
(فايكم محمد بشير)
+ الخط -

بدأ حياته فقيراً، وعرف التسوّل في طفولته وصباه، قبل أن ينتسب أخيراً إلى العسكرية، وترتفع منزلته خطوة خطوة، بعدها لقي حفاوة من الجميع واستمال قلوب الدنيا إليه، وفي النهاية أمسى حاكماً على المملكة العظيمة، لكنه حين سُئِل عن يأس خيّم على محياه في آخر أيامه، أجاب: "ليس هذا اليأس من دنو الأجل، كانت حياتي مشرقة بالأعمال وانتهت كل الأمور بنجاح باهر، لكن العطش الذي أحسستُ به ذات يوم يُفْزِعُني، حتى في ساعاتي الأخيرة هذه".

أملٌ لم يتحقق... فلا يمكن تحقيقه على يد أحد، حدثٌ لم تتناوله صفحات سيرتي المعروفة التي خطها العديد من الكتاب، يظن كل من قرأ تلك الكتب أنني رجل ذو حظ كبير، ولا يعرف أحد أنني بدأت حياتي شحاذاً حقيراً، وأنني أحببت فتاة في يفاعتي حباً يفوق كل شيء كأني أسيرها. حينئذ لم أكن أملك شيئاً؛ لا كوخاً ولا قصراً، وكنت أعيش وحدي في هذه الدنيا الواسعة.

تجولت في المدن والقرى بعناء وتعب سعياً في طلب الرزق والسكن. وذات يوم في وقت الظهيرة، ذهبت إلى منزل محبوبتي وغشيني تعب شديد من الطواف تحت وهج الشمس، لم أطلب منها شيئاً من كلام الحب، بل غاية أملي كوب ماء بارد أروي به عطشي، لكنها قابلت طلبي بقسوة وشدة... وقالت في غاية الكبر والجفاء: هذه ليست داراً للأيتام!

فقلت لها بتوسل، وقد كدت أسقط على الأرض من شدة العطش والتعب: "كأس ماء بارد أبلل، فالعطش يقتلني؟". فقالت منتهرة "يا هذا... إليك عني...، لا يهمني أن تموت عطشا"...

كيف لي أن أنسى هذا الموقف؟ لكنها نسيت كعادة الناس، وأتتني تُظهر حبّها وحرصها عليَّ في وقت السعة والرخاء، جاءتني وهي مستعدة للتضحية بكل غال ونفيس، فماتت ثرية في هذا البلد، وغيمة من الفرح تظلّل خدها، لكن الذي أزعجني أن يديها بخلت عليّ بكوب ماء بارد حينما كنت أعشقها! ولم يمكن لأحد أن يروِي عطشي، وما كان ذاك أمراً يتسنّى للجميع...

فقضى هذا الرجل العظيم نحبه في قنوط هكذا...

ولما سألت الرجل الذي روى لي حكايته: "لم رويت لي هذه القصة؟".

أجاب: "كنت أتذكرها وحسب".


* Vaikom Muhammad Basheer، كاتب هندي ولد عام 1908 في فايكم بولاية كيرالا، ورحل عام 1994. يعتبر من رواد الأدب المعاصر في لغة الـ مالايالام (الماليبارية) ومن أكثرهم شعبية، كتب قصصاً وروايات نقل أكثرها إلى اللغة الإنكليزية، كما حُوّل بعضها إلى أفلام سينمائية. وقد صدرت أعماله الكاملة عن DC Books (دار نشر بولاية كيرالا) عام 1992.

** ترجمة عن الماليبارية عبد الرشيد الوافي، باحث دكتوراه في الأدب العربي بجامعة كالكوت في الهند

دلالات

المساهمون