بيوت قديمة ما عادتْ تنتظر

بيوت قديمة ما عادتْ تنتظر

27 نوفمبر 2019
(جزء من لوحة للفنان العراقي حيدر الزعيم)
+ الخط -

عشبٌ على صخر

عشبٌ ساخنٌ من دموع الشمسِ
يروّي العروقَ غناءً
عشبٌ ناصعٌ على جبينِ أمي
يضيءُ كالغيبِ
في صلاة أبي
عشبٌ يُظهِرُ ندى الوجوه
ليحيا لغدٍ آخر وقمرٍ أبعد
عشبٌ ودودٌ كرائحة الخلود
فيه حفنةٌ من أسرار الكون
عشبٌ في الذاكرة
كي لا تجفّ
عشبٌ للبلاد
حنيناً ومنفى
عشبٌ أخضر وعشبٌ أحمر
وعشبٌ ذهبيّ، يكادُ يتصدعُ من وعود الشمس
عشبٌ أعلى من الأشواقِ في الرغبات
عشبٌ في فمِ غزالةٍ
يُداعبها بمهارةٍ الحبيب الرضي
عشبٌ فصيحٌ يتدلى من جدرٍ عالية
ينطقُ باسم الحياة ويلوّح بيد الوجود،
عشبٌ على حافةِ رصيف القلب
يداويهِ بأبهى ما فيه
كي لا يتصدّع
وكي لا يذوب
عشبٌ للحبِّ
يعيدُ للوهم شبابه، ويؤجّجُ أشجار الطريق،
عشبٌ على القبور، مفعمٌ بأرواحِ الراحلين،
عشبٌ في الحديقة كصمتِ الهواء
عشبٌ تحتَ السرابِ
يُحقِّقُ أحلام الصحراء ويتمدّدُ أكثر،
عشبٌ على صخرٍ شاحبٍ
كبكاءِ الجنوبِ
عشبٌ على سفحِ جبلٍ مجروح
وعشبٌ في البحرِ، يُدلّكُ أمواجهُ بخفةٍ،
عشبٌ لكلِّ العيونِ
علّها تلمسُ حقيقتها
وترى أكثر!


■ ■ ■


حصاد

كم أطلنا التأملِ في كلِّ شيءٍ
وفي كلِّ لا شيءٍ
ها نحن نحصدُ من تلك العادة
صمتاً وحيرة.


■ ■ ■


لا شيء

لا الكواكبُ البعيدةُ تقتربُ
ولا نحنُ نرتدي أنفسنا.
الآثارُ تعبتْ من تَكبّرِ أصحابها
والبيوتُ القديمةُ
ما عادتْ تنتظر.


■ ■ ■


الشجر

الأحلامُ في ما اخضرَّ من أغصان
رقصٌ عند عناقِ الظلّال
ثراءٌ في مساكن الطيور
كأني أرى روحي تسافر.


■ ■ ■


الوطن

اللغة تتعثرُ في سبل البلاغة
الألمُ كأنّهُ سبعون سنة
أو أكثر
الوقتُ شمعةٌ خافتةٌ من طرازِ الأمل القديم
الحيرة خلاصٌ يليقُ بجرحِ الانتظار.


■ ■ ■


الزوجة

كلُّ الصباحات تمرُّ من عيونها وأذوب
كلُّ الأسماءِ تتفتحُ من خدودها وأرى
كلُّ الذكريات تتوقفُ عند حدودها وأنسى
كلُّ الوجودِ حلقة وصلٍ بيني وبينها والحلم.


■ ■ ■


بناء

ممرٌ يؤوي العابرين والفقراء
فكرةٌ فقدتْ ظلّها من وطأة البريق
بقايا تحرَّرت
من البكاء على الأطلال.


■ ■ ■


أنا

كلامٌ مؤجلٌ كُتِبَ عليَّ قوله الآن
سؤالٌ للحديقة: هل تصبحينَ أنا؟
سعةٌ في الرغبةِ،
خجلٌ مّما أمامي وخجلٌ مّما أسمعُ
أثق بالروحِ أرضاً لهكذا سماء.


* شاعر وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن

المساهمون