فرح مؤقّت

فرح مؤقّت

21 أكتوبر 2019
بافل كوزنسكي/ بولندا
+ الخط -

هنالك من يبدو أداؤهم في الواقع أفضل من أدائهم في الافتراضي؛ بمعنى أن تستمع إليهم أمتع من أن تقرأ لهم، وأن تتأمل حركة أجسادهم أصدق من أن تشاهد صورهم.



ليس صحيحاً أن وسائل التواصل الاجتماعي أمكنةٌ لاجتماع الغوغاء ومُراكمة الضجيج. إنها، أيضاً، مُرافعة مستمرة لأخطاء النخبة، ومُكاشفة فضائحية لمُسوّغات الكتابة.



الثورة على الفيسبوك من داخله عمل سياسي مناقض لذاته. ذلك أنه تسليم مطلق بسلطته، ونوع من الاعتراف الضمني بأن استخدامه على نحو خيّر يشبه الدعوات الإصلاحية في حكومات عالمنا المريض.



لا يصلح فيسبوك كملاذ أخير أو كموقع آمن للاختباء. إنك مُعرّض فيه للنيران الصديقة، والمُلاحقات العدوّة!



عبارات الشكر والامتنان والإطراء تبعث فرحاً مؤقتاً في النفس. لكنها تنبهك، دائماً، إلى فكرة خداع الأداة وتواطؤ التكنولوجيا عليك: شكرٌ ليس فيه مصافحة حميمة، امتنانٌ مُجرّد من أثر الحاجة، إطراءٌ مُفتقِد لصوت العينين وعناية البصيرة.



الاجتماع الإنساني ليس طيفاً مُكلّلاً بالأزرق. عليك أن تفهم أناقة البحر أو تمُسك طرف السماء حتى تتحقَّق من جدوى اللون. الأكثر زرقة يعني الأكثر غرقاً وغربة، والأكثر عُلوّاً يعني الأكثر غيماً وغُموضاً.



لا أحب علامات التشكيل في الفضاء الأزرق كما أحبها في الكتب. إذ أريد من الكلمات أن تخرج صافية، كما لو أنها تدريب نفسيٌّ على معاكسة الأذى البصري في متتاليات الكلام المرسل واللغة المستحدثة.



الحياة هنا تبدأ من أعلى إلى أسفل. حركات إصبعك اللامرئي عند التصفح تتخذ طابعاً عمودياً، وأحادياً، بالضرورة. أما الحياة في الواقع فأفقية بطبيعتها.
لكن ثمة طريقة لتغليب لحظة أفقية على لحظة عمودية في عالمنا الذكي؛ أن تكتب سرداً ممتداً على طول الصفحة المخصصة للنشر.
هذا الفضاء - في مستوى ما - صراع بين السّرد والشِعر؛ فضاء مفتوح لاختبار أدوات الروائي والشاعر تِقنياً، حيث شكل الحياة يفرضُ شكل التّلقي.


* شاعر من فلسطين

المساهمون