شذرات سيّد السخرية السامة

شذرات سيّد السخرية السامة

15 يناير 2019
(كراوس في بورتريه لـ أوسكار كوكوشكا)
+ الخط -

كارل كراوس (1873 - 1936) كاتبٌ وشاعر ومسرحي وصحافي نمساوي، من أسرة يهودية. رُشّح لجائزة نوبل ثلاث مرّات، ووصفه الكاتب النمساوي شتيفان تسفايغ بأنه "سيّد السخرية السامّة".

لعلَّ أبرز موقفٍ وُسمت به حياة كراوس، حتّى كاد يشوّش على مسيرته الأدبية، هو معارضته الشديدة لـ "الفكر" الصهيوني، الذي كان يُؤسّسه آنذاك تيودور هرتزل.

في عام 1899، وبسبب مواقفه الإشكالية وصعوبة إيجاده منابر تنشر كتاباته، أسّس كراوس وحده صحيفة "المشعل" (Die Fackel)، التي كانت لاذعة في سخريتها؛ إذ هاجم فيها كلّ خصومه، خصوصاً الصهيونية التي حاولت وصمه بـ "اليهودي الكاره لذاته"، أو "اليهودي المعادي للسامية". كتب في الصحيفة مساهمون سيُصبحون لاحقاً أسماء لامعة في كلّ الثقافات الأوروبية؛ مثل أوسكار وايلد، وبيتر ألتنبيرغ، وهينريش مان، وهيوستن ستيورات.

إضافةً إلى عمله الكتابي، كان كراوس مُلقياً ممتازاً للشعر، إذ قدّم العديد من الأمسيات التي كان يقرأ فيها نصوصاً لشعراء آخرين، مثل غوته وشكسبير وبريشت وجيرهارت هاوبت مان. وكان إلياس كانيتي من روّاد تلك الأمسيات.

نُترجِم، هنا، مجموعةً من شذرات كراوس الذي تعرَّض لتهميش مقصود، باعتقادنا، في الأكاديميا الأوروبية، بسبب موقفه من الحركة الصهيونية وصراعه مع هرتزل.


■ ■ ■


ثمَّةَ مذاقٌ مريرٌ للحقيقة، مذاق مُذكِّر، مذاق يُضعف القدرة على التذوّق، في كلمة "الروابط العائلية".

اللغة الألمانية هي الأعمق، والخطاب الألماني هو الأكثر ضحالة.

دخلَت الزواج بكذبة، إذ كانت عذراءَ ولم تخبره بهذا الأمر.

لا يعانقُ الحبّ والثقافة ما هو جميل، بل ما يجعلهما جميلين.

فقط يُمنَع الهجاء والنقد، لمّا يفهمهما الرقيب.

التحليل النفسي هو شغفٌ عاطفيٌّ أكثر من كونه علماً تطبيقياً.

الشيء الوحيدُ الذي يفصلُ الألمان والنمساويين، هو: اللغة الألمانية.

لدينا حريَّة تفكير. الآن، ما نحن بحاجته، هو فقط الأفكار!

معروفٌ أن تطالبَ بمكانٍ في الشمس. ولكن، ما هو غير معروفٍ، هو أنَّ الشمس تغيب، بمجرّد أن تتحقّق هذه الرغبة!

لحظةَ فُقدان العقل، تصبحُ ضخامة الجسد معيارَ الاحتكام الوحيد. لذلك، لا يجب أن يحتلّ الجاهل حيّزاً كبيراً في الفراغ.

صعبٌ أن تكتبٌ شذرة، لمّا تكون قادراً على كتابتها. ولكنه أسهل بكثير، أن تكتب شذرة، لمّا تكون غير قادرٍ على كتابتها.

لمّا تنخفض شمس الثقافة، يصبح للأقزام ظلال طويلة، وكأنّهم عمالقة.

التعليمُ عكّازٌ، يدقُّ به الأعرجُ السليم، كي يُبيّن بأنه في السلطة أيضاً.

العالمُ سجنٌ، أفضلُ ما فيه، هو: السجن الانفرادي.

لأنَّ الاحتفاظ بالحيوانات البريَّة هو أمرٌ محظور قانونياً، ولأنَّ الحيوانات الأليفة لا تُسبّب لي أي لذّة أو متعة، أفضّلُّ البقاء غير متزوّج.

لمَّا ظهرت كلمة "السلام" للمرَّة الأولى، نشأ رعبٌ في سوق الأسهم. صرخوا من الألم: "نحن نستحق، لنذهب إلى الحرب.. نحن نستحق الحرب".

تبدأ الفضيحة، لمّا تضعُ الشرطة حدّاً لها.

الفنّ هو شيء واضح جدّاً، بحيثُ لا يفهمه أحد.

رغم أنَّ الأفكار معفاةٌ من الرسوم الجمركية، فإنها تجلب الكثير من المتاعب.

يُصبِحُ الشيطان متفائلاً، لمّا يعتقد، بأنَّه قادرٌ على جعل الناس أسوأ.

ألّا يكون لديك أفكارٌ، ولا تمتلك شيئاً تعبّر عنه: هذا ما يصنع الصحافي.

الفضيلة والرذيلة مرتبطتان، كالماس والفحم.

السُّخط الأخلاقي هو الحجاب المموّه للحسد والغيرة.

قالت لنفسها: "أنام معه؟ نعم. لكن، لا للحميميّة".


اللغة هي أمُّ الأفكار، وليسَت خادمتها.

الفنّانُ، هو الوحيد القادر على جعل الحلّ لغزاً.

لا تتطابقُ الشذرة مع الحقيقة، هي إمّا نصف الحقيقة، أو حقيقة ونصف!

من يمتلك القدرة على كتابة الشذرة، عليه ألّا يحطّم نفسه في كتابة المقالات.

علم النفس، هو الحافلة التي تراقب المنطاد.

سرُّ الديماغوجي، هو أنّه يجعل نفسه غبيّاً، تماماً مثل المستمعين. لذلك، يعتقد المستمعون بأنَّهم أذكياء، مثله تماماً.

يختفي الجمال، بسبب وجود الفضيلة.

المرأة الخيّرة، هي تلك المرأة التي لم تعد قادرةً على فعلّ ما هو خيّر.

ليس كافياً عند الحاجةِ إلى الوحدة، أن تجلسَ لوحدكِ على الطاولة. بل يجب أن تكون الطاولة مُحاطةً بكراسٍ فارغةٍ. لمّا يسحب نادل المطعم هذه الكراسي الفارغة، والتي لا يجلسُ عليها أحد، أدركُ الفراغ حسيّاً، وتستيقظُ طبيعتي الاجتماعيَّة. لا أستطيعُ العيش بدون كراس فارغة.

أن تكتبَ مقالة مميَّزة، هو مثل أن تجعّد شعرَ رأسٍ أصلع.

الحربُ، أوَّلاً، هي أملُ أحد طرفيها بالتحسُّن، لينشأ التوقُّع بسوء أحوال الطرف الآخر. ثمَّ ينشأ الرضا بأنَّ حال الطرف الآخر يسوء، ثمَّ تأتي المفاجأة، بأنَّ أحوال الطرفين تتّجه إلى الكارثة.

تشجُّع الصحافة الثقافيّة هراء غير المثقّفين، وترفع الابتذال إلى مرتبة المثال.

لا شكّ في وفاء الكلب. لكن، هل يجب أن نأخذ الكلب كمثالٍ للوفاء؟ الكلب وفيٌّ فقط للبشر، وليس لكلب آخر.

الكذبةُ البيضاء معذورةٌ ومفهومة. ولكن، العيب الذي لا يمكنُ التسامح معه، هو أن تقول الحقيقة بشكلٍ فجّ.

تَكمنُ براعةُ الشرطة في قدرة التفكير بجميع الناس القادرين على السرقة. ولحسن الحظّ، فإنَّ براءة البعض لا يُمْكِنُ إثباتها.

عندما وقَعت الليلة المسيحية، واضطرَّت البشرية لأن تتسلّل على أصابع القدم من أجل الحب، وقتها، بدأتَ تشعرُ بالعار، ممّا اقترفته!

الجهاز التنفيذي للفجور هو القوّاد، أمّا الجهاز التنفيذي للأخلاق فهو المبتزّ.

يجب أنْ يجلب الجدال النقدي الهدوء وراحة البال للمساجِل، لا أن يقلقه.

الديمقراطيَّة تعني أن تكون عبداً للجموع!

الشاعر الذي يقرأ، يشبه الطبّاخ الذي يأكل.

تفخرُ محطَّات القطار الصغيرة، بأنَّ القطارات السريعة مجبورةٌ على المرور من خلالها.

لن يفهم الأطفال لماذا يقاوم الكبارُ الشهوة. وكبار السن لن يفهموا ذلك مرَّة أخرى.

عندما تحتضر الثقافة وتكونُ في نهايتها، فإنها تُنادي الكهنة.

سيكونُ العالم بريئاً أكثر، لمّا يصبح الناس مسؤولين عمّا لا يستطيعون القيام به.


* ترجمة عن الألمانية: دارا عبد الله

دلالات

المساهمون