كان الوقتُ شحيحاً والتذاكر غالية

كان الوقتُ شحيحاً والتذاكر غالية

21 يوليو 2018
(الشاعر)
+ الخط -

أتطلّع إلى أبي

أن أرى أنّ أبي لا يراني
بعين واحدة، وبالأخرى
التي غشاها الماء الأزرق - التواصل مجمّدٌ
في رأسه، ركام مختلط من الصور،
شاطئ البحر، الزلزال - أتذكّرُ
جلوسي إلى الطاولة ذاتها. أدخّن اللفافة
ذاتها، أشرب البيرة. "أخبرني"،
قال، "ألديك عقل في رأسك؟
هل عليَّ أن أهزّه
لك كي تفهم؟" واكتفيتُ بهزّ كتفيّ.
ثم صفعة سريعة، والنتيجة،
وجنة يسرى حمراء، دون أن أدري،
دون أن أرى من أين جاءت. ثم تلتها واحدة أخرى.
عندما انتهت الصفعات، أقبل ليضمّني
كما لو أن من فعلها كان أحداً آخر. وكأنني
قد نسيتُ كلَّ شيء وبتُّ مستعداً لأن أشعر
بالدخان يدخل رئتيّ من جديد - قال لي
صديقٌ إنه من الغريب أني لا أزال أكتب
عن التدخين-، لا أزال دون صعوبة
أنقّي وجهي وأبتسم وأحبه.
والآن، حين أتطلّع إليه بينما يتطلّع في داخلي
ألتقطُ انعكاسةَ ضوءٍ مشرقةً
تماماً تحت العين الزرقاء الكليلة، تماماً
عندما تصبح غائمة ومبلّلة، فتعود به الذاكرة.

***

أطِح بالفارس

هناك شيء آخر
تراه يتجاوزُ
أرجوحةً فارغة
متوازنة وسط الحديقة
الأمامية، عُلّقت بشجرة
التوت خلال الصيف.
أصوات أولاد
الجيران الغجر الصغار
وهم يتراكضون
ويتراشقون الماء.
الحصان الأسود العجوز
ينكفئ على ساقَيه
الواهنتين، القبضة
الـمُحكَمة على الخشب الجاف،
وسوط الفارس، والسياج.

لا يزال ذهني
يومض- ليس هناك
من صخرة تحرّره
من حمّالة الحصان هذه. ليس هناك
من عين مثل عين
الفارس اليمنى الحمراء،
يومَ صببتُ
جام غضبي الطفولي
على ذلك الحيوان،
وأنا أقسم بأنني أريد
معرفة المدى الذي يستطيع أن يبلغه.

تركت الحوافرُ فجوات
عميقةً في الإسفلت.
اختبأتُ وراء برميل فولاذي
نحتفظ فيه بالبنزين
الذي نشعل به النار.
ثم ارتفعت حرارة صدري،
ومن بعدها لم تستطع يداي
أن تمسكا بأي شيء.

***

بتوقيت غرينيتش

لم يكن ثمة خطّ طول هنا. كان
الوقتُ شحيحاً، والتذاكر غالية الثمن.
الكتاب بسبعة جنيهات، قالت المرأة
من وراء طاولة البيع. أمسكتِ
بيدي، أردتِ أن تغادري، لكنك لم تفعلي.
قدم في الشرق، وقدم في الغرب،
كان الضوء يتسلل ما بين آجر الجدران
وسروالك الجينز كأن خطَّ التّماس قد أتى بالخلاص
للبحّارة. كان قد مضى وقت طويل على الساعة الواحدة ظهراً،
ولم تهبط الكرةُ بعدُ. اجتزنا مشهد القبّة
السماوية، ووجدنا أنها توشك على الإظلام. أعمدة
كهربائية، استُخدمت بادئ الأمر في تيميشوارا - في
مقاطعتي - وأنارت الحديقة. تأذّت أصابع قدميك
وعظام قدميك جرّاء السير.
أسرعنا في نزولنا التلّ باتجاه السوق
حيث أبعدت رائحةُ الطعام الإثيوبيّ
الألمَ. (لم يعرف كارل كولر أبداً
أنك تتحسّسين، ولست تحقنين، البنج.) أأنت متأكّد
أن لدينا ما يكفي من الوقت؟ سألتِ. اشترينا
بيرة وعصيراً غير فوّار من متجر على الناصية.

في الغرفة، جعلت شبكةُ "الواي فاي" من السرعة تواصُلاً.
صوراً، رسائل، وجوهاً لم أرها من قبل
أضاءت شاشةَ هاتفكِ، ولم أجرؤ
على التفوّه بكلمة. تلك كانت الليلة
التي ينبغي أن يسير فيها كل شيء على ما يرام. اللاشيء
كان ما ندا به صمتُ التشهّي
للسجائر والجنس. أنت بكامل ملابسك. كذلك
كنتُ أنا. بقيتُ لأكثر من ساعة
أراقب يديك وهما ترسمان
الشخصَ في المرآة من أجل المناسبة.
(في اليوم التالي ستتأخّر
الطائرة.) وكنا هناك في الموعد المحدد.

* شاعر روماني من مواليد عام 1981، يكتب باللغتين الرومانية والإنكليزية.
** ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون