لم أولد بعد، أنا فقط محاولة

لم أولد بعد، أنا فقط محاولة

19 يوليو 2018
بابلو بالاثويلو/ إسبانيا
+ الخط -

[إله الصمت
يفتح العزلة]
س. كواسيمودو

تحوّل الصّمت إلى حجر معشوق.
الحجر المعشوق تحوّل إلى رماد.
بحر. حجر. رماد. ضوء العالم.
عزلة لا متناهية مفتوحة على البكاء.
ليس ثمّة عالم سوى خبطة موجة.
ليس ثمّة ضوء أكثر. وردة بيضاء
متساقطة التويجات، لامبالية. سماء خرساء.
أنا الليل العابر، أنا ظلّه
والفراغ الذي يسحب ظلماته.
حزنه.
"إله الصمت،
افتح العزلة". أنا أستمع إليك.

29 تمّوز/ يوليو 2005
*

لا شيء قد جرى. كلّ شيء يُبنى
مِن ندوب خادعة للذاكرة.
نحن لم نكن أبداً، لم نعبر الضوء.
كنّا حالكين. ليس ثمّة ماض.
أمس هو فقط حلم، طفل بالكاد
لم يوجد أبداً، المساء لم يقم بشيء
للحفاظ على غروب بهيّ.
يا للزمن القاسي ويا له من فراغ
بينما هو يصنعنا فقط على طريقته.
لا شيء يمكن أن يعود إذ لم يوجد قطّ.
جسد من زمن وعزلة.
نحن الورود اليابسة للمساء.
مادّة مستنفَدة.

*

بعد ما زلت هنا. قد أعطي أيّ شيء
لأنّي قد وجدت راحةً أخرى
للباقي المعتم والأخرق الذي يجعلني
مثل هيكل عظمي مسكين من الحزن.
حتى الضوء ينبذ حضوري
ويشرّع الصورة القديمة في مرايا
من أنفاس إلى نحيب تغشاها وتغطّيها.

تفتح عصافير بلا أجنحة تحليقها
المستحيل. العيون لم تعد تنظر
سوى الظل القديم الذي لا ينقطع.
(أهي الصاعقة؟ تلاشت. كان لها لمعانها).
ليس سوى دمعة خالصة وهي لا تلتمع.

*

أين تراه سيكون ضوؤك؟ كيف أمكن
ألا نعرف أين يمضي المساء
حينما يخفي أبناءه عن الجمال؟
النهار وأنت. المساء وأنت. الليل
أمّ عاقر تفترس
أطفال الجلاء. نولد فقط
لأجل مصابيحنا الفانية
لنكتب الرماد على جدران
قلوبنا.


ختام
كيف لي أن أموت إن لم أكن قد وُلدت؟
أن تولد هو أن تنقذ الآخر وتخرجه عائماً.
هو أن تحقّق له الانبثاق يوماً عن يوم
من الأعماق التي يقبع فيها متخفّياً.

لم أبلغ ما هو إنساني بالكامل،
مخطّط كنت أتوخّى أن أكونه في يوم ما.
ظلّ حلم كان الضوء يلاحقه
وبقي مسرنماً وبعيداً.

نحن فقط أسرى في "سرتينة"
حيث تتشكّل أجرام هي خرائب
تتسربل بالأحزان والهزائم.

لم أولد بعد: أنا فقط محاولة
وعلى حافة الموت أحسّني الآن
مغامرةً مندحرةً بكلّ أسىً عميق.

*

[أن توجد فذاك انتحال]
ف. م. سيوران

كلّنا نحيا
على نفس الشاكلة. نتنفّس.
نحمل بين ذراعينا باقات زهور يانعة
وفي آبار الحزن نغْرقها.

نتأمّل موت الغروب.
نحسّ أنّ الزمن يترك على شجرة
العظام عصافير سليمة من الأذى
في أعشاش الصمت والفجيعة.

أنظر حولي: الكلّ سيّان.
الكلّ طرقات خريفية قديمة.
الكلّ بأعين المفاجأة والبكاء.

نحن سلالة حزينة إلى أبعد مدى.
على الشاكلة نفسها كلّ شيء موجود
وبالمثل أرفع حجر الحياة.

*

امرأة كانتْ تعبر بثياب
تالفة وقد اصفرّت منها الدانتيلا.
كانت تنظر كما أنها تفعل ذلك من ظلمة حالكة،
من هوّة سحيقة أو من آبار كئيبة.

امرأة من مقبرة غريبة
مثل عشية طوفان.
كلّ حزن الحياة المضني
على الإيقاع الخريفي لألغازها.

مَن هذه المرأة؟ كنت أسائل نفسي.
مِن أيّ خراب كانت قد أتت اليوم
وهي تُبدي بين يديْها جرحاً.

- "قولي لي اسمك".
- يسمّونني ديثيبثيونْ (خيبة الأمل/ المترجم)
لكن بنظر سديد أكثر يهتف بي آخرون
مثل سيّدتنا القدّيسة: الحياة.


* Leopoldo de Luis  شاعر إسباني (قرطبة 1918 - مدريد 2005)، والقصائد من مجموعته "دفتر صيف 2005: تدوينات أخيرة" التي نشرها ورثته بعد رحيله.
** ترجمة عن الإسبانية: خالد الريسوني

المساهمون