قابَ رعشة واحدة من الهاوية

قابَ رعشة واحدة من الهاوية

14 يوليو 2018
ماريا كابريرا (تصوير: كريستينا كالديرير)
+ الخط -

سبل المعرفة

أعرف الخوف في وجهك عند الفجر. فرقعة اللهب، وصريف الغابات المكتوم، وسعار الطيور تقهر المسالك في الهواء. وكنّا نحن الاثنين محضَ افتراضٍ ملتبس، على عتبة النوم، في دُوار الريب والليل النَّكير.لم نكن نتحدث: كنا نقتعد قمةَ جبلٍ ارتقيناه شغوفَين حتى بلغنا الممراتِ الشاهقةَ للروح. لم تَضحكْ، لم ترْنُ إليّ: كانت عيناك معلَّقَتَين بإحكام على اللهب، ثمة في عينيك شعلتا لهبٍ لن تلبثا طويلاً حتى ترودا كلَّ ما ترمّدَ من مسالكَ في داخلي: مفرطتان في قسوتهما الأبدية، مفرطتان في عذوبتهما الأبدية. ثم انتظرتك، رابضة على قمة صخرية تخرّقتْ بعوائقَ عصيّةٍ كأْداء، مترنّحةً قابَ رعشة واحدة من الهاوية: هل ستأتي لنجدتي؟ أم ستمضي في اندفاعتك وتخلفني وراءك؟ أعرفُ مساربَ الخوف في أشعارك، ومثلثَ إيماءاتِك متباينَ الأضلاع، والحيوانَ الجاثم في نبضك، التكرارَ- النشازَ لمذاقِك كلما أنأى عنك، المذاق المرّ للبرتقالة التي مددتَّ بها إليّ. قد عرفتُ كلَّ ضروب الفجر، عرفتُ كلَّ أصواتِ الصباح الوادعة: الغابة والطير والحجارة والخشب واللهب. والآن، حين لا يبقى من مشوارنا المشترك ذي الاتجاهين المتعاكسَين إلا حفنةً من حصى يقعقع في جيوبي، وقارورةً زجاجية فارغة وكلَّ هذا التراب في نعليَّ؛ الآن وقد حفظتُ عن ظهر قلب سبَّحةَ الحزن؛ الآن وقد حفظتَ عن ظهر قلبٍ زركشاتِ الغابة حتى جذورها؛ الآن؛ الآن وقد غدوتُ جُوْناً عميقاً، موتاً ورغبة، لثلاثة أيام بلا خبز وهذيانات الماء: الآن أشيلُ في نهديَّ الليلَ بطوله.

■ ■ ■

معصية
أو سايكولوجية قلب

امرأة، كيف تعرفين إذ لا معرفةَ لديك كيف تقلبين صفحة الأيام الخوالي، أو تجدين غبار الأيام الخوالي متشبثة تحت أظافرك على شكل أقمار بيضاء،
امرأة في الحطام،
هي شيء تدينين به لِـ بروست الذي لم تقرئيه قطُّ،
أو لسكرات الكتب، أو القصيدة التي تتعقبك،
أو لفجاجة الفاكهة أو للمطر الأبدي الذي يسكنك.

امرأة، إذ تتحوّل الذكريات إلى أجماتِ الأرض فوقَك،
وسطور الشِّعر تنمو في داخلك كنباتٍ عُصاريّ،
كجرذان مباغتة في ظلام المطبخ،
كعواصف رملية في عين القصيدة
أو كهجومٍ ليليّ تشنّه مَقاطع صوتية- هجوم يبقيك تتقلّبين في الفراش،
امرأة تمثال،
امرأة وحيدة،
شِعر في اللهب،
سحلية،
امرأة مكلّلة بضوء الشمس
وامرأةٌ ظِلٌّ،
كيف لك أن تعرفي وأنت مَدينة بها لـ فرويد الذي لم تقرئيه قطُّ،
أو لمسحة الرخام الباردة، أو حزن أقلام الرصاص
أو صدى بُطَينَيك.
وانقباض القلب يحدثك عن المعصية،
واسترخاء القلب يقول الوراثيات،
وصمامات القلب
أبداً،
أبداً،
تطلق حسرات اليتيم.

■ ■ ■

أقبلتَ نحوي...

وأقبلت نحوي بحملقةٍ (شبه جزيرية)
هي أنبل ما جادتْ به أقنية الدمع،
رأس كلاسيكية
وصلف الجبابرة في عروقك،

والحروب البونيقية لا تزال تنبض،
طيش ألفٍ من المعارك الخاسرة يثقل كاهلك،
صفعة صفصاف خاطفة وأنت تصعد إلى قمة الجبل،
ويدك اليمنى ويدك اليسرى غارقتان في الحب، تباعاً،
مع أساطير هوميروس
والقطارات التي تعبر قارّاتِ أسفل ظهري،

بجيب مليء بالأسرار وبشائر الليالي الحافلة بملح السيليكات،
ومعصور ليمونة صحّي بارد تجمع كلَّ الدواء
الذي يبقينا مرتبطين أمداً يطول بميناء هذه المدينة اليونانية،
مع تفاحات تخمّرتْ فوق قِدْر الحُبّ بطيء الطهو،
مع الحبّ وقد تحرَّقَ فوق نار عطشٍ شديدة،
مع أعين سحلية متيقظة،
مع نوم عميق للمقاطعات الإسبانية،
مع البطاقاتِ السبع لقزمِ الحلم في أعلى كمِّك
وبكرة خيوط متعددة الألوان ستغزل حكاية الكواكب.

بالنسبة إليّ، بالنسبة إليّ وحدي، قد أقبلتَ،
ووراءك خيّم المساءُ على البلاد كظلٍّ غريب.

* Maria Cabrera شاعرة كتالونية ولدت في جيرونا، 1983. تدرّس اللسانيات الكتالونية في جامعة برشلونة، وكشاعرة، نشرتْ ثلاثة كتب: "يونان" (Jonàs)، الذي نال في 2004؛ "صباح مشرق" La matinada clara (2010)، وفي 2017، "مدينة متعَبة" La ciutat cansada، الذي استحق "جائزة كارلس ريبا" التي تُعدّ أرفع جائزة شعرية كتالونية.
**ترجمة أحمد م. أحمد

المساهمون