الطوفان كان الأسبق

الطوفان كان الأسبق

07 مايو 2018
(جان بورتانت)
+ الخط -

وردة العودة

الورود تطفو برشاقة
فوق المفردات اليوم
كما في البداية
عندما كان ما زرعناه بلا اسم
ليس تسليماً بالضرورة
عند تقليبنا للأرض
بأنّ انهيار المحطة تقرر سلفاً
سواء كانت في الجنوب أو في الشمال
لم يعد للأمر أهمية
دعونا نقول إن القطارات التي تغادر
فقدت الوجهة
وحدها تمتلك التأكيد وردةُ العودة
التي يرافقها دائماً صائن الخيوط المعدنية
لكن لا أحد يدري أية ريح ستعود بها
ولا الهوة السحيقة التي غادرتها بالمطلق.


■ ■ ■


صيحات الأطفال

الصيحات المبتهجة للأطفال هناك
في حوض السباحة
هي الحبال - أخبرتني أمي - التي تعلّق النجوم
بتلاتُ زهور أكثر اصفراراً
والإضافة لي
من أزهار عبّاد شمس فان غوخ
هذا يذكِّرني بهبوب الرياح
وآلاتها
بجوقة تنفث رئاتها
ثم يمرق القطار عازفاً أوتار الكونترباص
يكفي أن أُلوّح بمنديل لإخبارها
بالرئات الصغيرة التي تنافس الرياح
كم الساعة الآن تسأل عيناها
كل فرد يرمِّم بقدر ما يستطيع
البداية التي تتناثر شظاياها
أيتها المسافرة بجفون مغلقة بالدبابيس أبداً
لن يسعك إعادة تجميع شقائق البداية.


■ ■ ■


الممر

أعرف أين الممر
أعرف أن المُختلِس أكبر ثماني مرّات
من النجوم التي تراقبه
لكنني أطوف عدّة دورات حول درب التبّانة
الشمس لم تكمل عملها بعد
القمر أنجز المهمة متعجلاً الرحيل
ماذا عليه أن ينتظر أكثر فيما أنت على أهبة الاستعداد
ألا يرى أنك قد ارتديتِ قفازك
ألا يرى أن يديكِ صارتا بلا أسماء

قبعتكِ متروكة على المقعد
بالقرب من السرير حيث كنتُ جالسا بينما أنت نائمة
الشمس كانت تنتظر
بحقيبة على ركبتيها
حيث كانت تخزّن أدواتها
بعد إصلاح الفجوات
كل شيء يتسرّب منذ زمن طويل
عبر بلاّعة الحوض الكوني
فيما الشمس تسدّ التسريبات
فيما القمر يحبسها باليدين
ثماني مرات أكبر من قفازك.


■ ■ ■


الرائحة

الرائحة، بالتأكيد، تقطع مسافة أطول من الطحالب
الأعشاب الميتة التي يجلبها البحر
توأمٌ كاذب للرطوبة وأنت المماثلة للدودة
التي من هناك تكمِّم الينابيع البيضاء
يكفيك أن ترفعي إصبعك
لينهمر المطر
سأضع عليه سدادة
وسنطوي الصفحة للأبد.

لكنك سحبتِ المزلاج عندما حلّ الكسوف
حتى المصاريع بقيت مغلقة
رفقة الورود الأربع في الخارج أسفل الجدار
غدا سأقطف ثلاثاً أخبرتني
كي أضعها تجف على العشب
الرابعة ستكون وردة الريح
لا بد لأحدنا أن يحافظ على الاتجاه
عندما تصير أطراف البوصلة مقضومة
من الطيور الآكلة للمسارات الطويلة
إصبعكِ المرفوع صوب المناطق القاتمة
كان يحلّق عالياً للنزول عائداً
مع أول المطر
كان يسافر لفقء دمّل
من أجل تفريغ السماء
إلاّ أن يقول بلا مواربة
لأن الشعر ليس مفارقة
كم هو صعب الدفاع
عن مصلحة الورود كلّها.


■ ■ ■


بياض مكتمل

ماذا عساي أن أضيف إلى البياض
لأن الشتاء هو مستشفى الاستسلام
وغيوم الوسائد التي تهزّها الريح
كل هذا الريش عندما ينتهي الليل
يبتدع رئة سنونوة

آه يا سرير الربيع المنشّى
أفتح النافذة المطلّة على الحديقة
الشرشف الأول مجعّد كمن يتوجس الرحيل
استهلكني غسله طوال الشتاء.

أنا هنا الآن بالقرب من شجرة التفاح
زهرة الهندباء في متناول يدي
هل أنا من ينفخ على نجماتها
أم أنني الريح المبذّرة.

تعالي دعيني أقبّلك
مثلما عندما كنتِ الطفلة
وأنا غاسل الريش
تعالي نتخلص من تجاعيد النسيانات
قبل أن تجف السنونوات.


■ ■ ■


إثارة النسيان

لنرى إن كنت أستطيع تحريك نسياني
لا يستحق هذا عناء النطق بكلمة الأمس
في أذن النهار الذي يستعد لترطيب الليل
أو القول سيفتح الغد مظلّته
على أية طاولة سنجلس هذه الليلة؟
أحيانا يكون نوفمبر مرشة ماء
وخدود غيوم الورد بليلة
كم هي شاحبة القافلة التي تعبر في الأعلى
هل حان الوقت لنقول وداعاً للشمس؟
هل كانت تعرف عندما افترقنا لماذا
كنت أطرد أشعتها أو أنكِ أنت
ثم عندما كانت تخترق الغيوم
كنّا نجمع في دلو
القطرات المتساقطة
لنلقي بها في النهر
كنت ذاهبة باتجاه الجنوب
وأنا سائر باتجاه الشمال
كان النهر يتورم
في الوقت ذاته مثلما كاحليْنا
أية مكيدة أخرى ينبغي اختراعها
ربما مظلة الغد.


■ ■ ■


ميراث ابتسامة

ما الذي كان يُفترض أن أُبقي من ابتسامتك
المحتجزة في خزانة مارس
العمود الفقري للوردة غير المقطوفة
بقايا الندى على الوسادة
رفّة الرموش، دكتاتورية الصمت
أشجار السرو التي تنحني ولا تنكسر؟

هناك حيث الرياح أكثر وقاحة
من النافذة التي ترتطم بها
هناك حيث الإصبعان غير كافيين
لإطفاء شمعة
في بعض الأحيان المقطورة الأخيرة
تزلزل الرموش التي بالكاد تتفادينها

ما الذي تُبقين عندما تجفّ وردة في اليد
سوف تفركين الحضانة
المخصصة قديماً للأقحوانات.


■ ■ ■


الطوفان كان الأسبق

أحيانا كنت أتسلّق السلّم
لماذا البقاء عند أسفل الشجرة ما دامت
على الغصون معلّقة عُدة الرجوع
إلى الورود الأكثر واقعية
أحياناً كانت تسقط مثل تفاحة نيوتن
فكنت أنحني لالتقاطها
هل كنت مضطراً للتردد والسقوط معها؟

من لا يستطيع أن يغفر للجاذبية
يخلق لنفسه ثماراً ناضجة أكثر من السنوات
لا شيء يقع في هذه الثمار
لا يتسنى للعلم أن يرفعه
لا سكون قارورة العصف،
شظايا اللغة القديمة
ولا الذي لا ينتحل من السقوط سوى شكلِه
قبل سيطرة العلماء

من أين يأتي الغفران إذا لم يكن
من القصص التي أكرّرها لنفسي
رسائلَ زجاجات ملقاة في البحر
تدّعي أنها قادمة من اليابسة
بينما يعلم الجميع
أن الطوفان كان الأسبق.


* Jean Portante شاعر لوكسمبورغي من مواليد عام 1950 لأسرة قادمة من إيطاليا. خلال سنوات تحصيله الجامعي، درس في فرنسا حيث كان شاهداً على "ربيع الطلاب" نهاية الستينيات، وهناك بدأت تجربته الشعرية حيث اختار الفرنسية لغة إبداعية. نشر قرابة 20 مجموعة شعرية من بينها: "نار وطين" (1983)، "نقطة ارتكاز" (1999)، و"شجرة الاختفاء" (2004) و"الحزن الكوني" (2017) ومنه القصائد المختارة هنا.

** ترجمة عن الفرنسية: ميشرافي عبد الودود

المساهمون