كل شيء عن الرغبة

كل شيء عن الرغبة

28 مايو 2018
(الشاعر في الوسط، تصوير: كورنيليو غريغوريو)
+ الخط -

تحضيرات

ثم أخبرَتني للمرة الأولى أنني أكتب بطريقة محيّرة،
أنها لا تَفهم ولا تريد أن تفهم شيئاً من قصائدي،
رَمت كل شيء في وجهي بمهانة رشيقة،
مثلما تقلب جلد ديك حبشي إلى الخارج،
في فناء العيادة، المتمرنون والأطباء،
الممرضون وكبار السن،
المقعدون والمُبتلون بالسرطان،
كلهم بدوا مثل مانكانات منسية
لثمانين عاماً في مخزن تحت الأرض،
تنزلق بأرديةٍ وألبسة نوم مهلهلة،
جيئةً وذهاباً بلا معنى.
كان بالإمكان أن تخمن أن كرة
أو أن معرضاً قاسياً قد تم تحضيره.
نظرتْ إلي وانفجرت بالبكاء،
ثم سألتْني أن أوصلها إلى البوابة،
حيث انتظرها رجل لا عُمْر له،
بفأس في يده.

■ ■ ■


شيء ما ضروري عن الأحلام

ذات حين،
أردت كتابة شيء ضروري عن الأحلام،
أمطرت بانتظام في الخارج على طاولاتهم،
الشعراء الساخرون تقافزوا مثل الجراد تحت القطرات الكبيرة،
وفي الغرفة الصغيرة التي كنت أستلقي فيها لأعوام،
بلا نوم، متألماً، وبسيطاً،
كانت لغة جسدي تصرخ عالياً أنني قد رأيت كل شيء،
الحزن يتدلّى مثل فروٍ يصدُّ حين يُلمس،
لكنْ في الحلم كل شيءٍ مختلف دائماً،
إنه مثل الشِعر،
لا تستطيع أن تعرف إن كانت المظلة سوف تُفتح،
ربما من أجل هذا أردتُ أن أكون نوّاماً أصيلاً،
ليحدث كل شيء كما لو أنني كنتُ واحداً من شخصيات فانتانيرو*
الذي لا يكف عن الحديث عن الأحلام،
لا أستطيع قول أي شيء،
جرّبتُ الذكريات،
والمشاعر التي أهملتها تبدو مثل ندبات من عالم آخر،
تجاهلتها وبثثت ألمي مثل مربية تصرخ على الكرسي
وهي ترمي بَكْرةً نحو فأر فضولي دخل الصالون متسللاً
يشمّ، ويصغي، ناظراً في كل مكان،
ويبدو أن عينيه كانتا من عالم آخر،
حلم كهذا، حلم أستير، لا أحد يمكنه أخذه منك
ولكن لا تُري أحداً ما وجدت.


*قسطنطين فانتانيرو: شاعر روماني

■ ■ ■


قصيدة حب

الحصان الخشبي الصغير لا يهتز،
تماثيل الحديقة هوت على وجوهها،
التقينا أوان نضوج الفاكهة،
والأيادي ملفوفة مثل مراوح،
نظرتي الحزينة مرت بقربك، بقرب وجهك
واخترعتْ جزءاً من السماء،
بعض التلال،
قطيعاً من الخيل،
ودرعاً من ضباب،
كي لا ترحلي مجدداً،
وجهي تذكر كل شيء عن الرغبة،
وعن عطرها العنيف،
واجفاً في الظلمة،
في التربة والجذور،
الطواويس كانت نائمة،
حين خضتِ المياه الدموية الكسولة في الفجر،
الأطياف تلاشت،
بخشخشة سلاسل على صخور زلقة،
على الشاطىء الآخر،
وجدتْ قطرات المطر ملاذاً تحت الطيور،
رحبتُ بك في بيتي ذي السقف المائل،
وعقدتُك في مفتاح.

■ ■ ■


فراشة سوداء

أرفض أن أفكّر بالناس،
من أجلهم،
الحب فراشة سوداء،
تحط بأجنحة مشرعة،
على جبين الرياضي المشلول.

تبقى هناك لأيام،
وبحنان تنظر إلى عينيه،
وهي تخز بخطمها أرقّ النسيج،
وتستمتع بنفسها مثل طفل.

تخز بخطمها وتضحك
تخز بخطمها وتضحك

تحت الشمس الساطعة.

■ ■ ■


الخريف يأتي، معنا أو دوننا

هل رأيت؟ نستطيع فعلها نحن أيضاً
قال لي
نستطيع أن نضيع خيط الحكاية
دون أن ينتابنا الخجل
نستطيع أن ندخّن ونحن نصغي باسترخاء
إلى نَفَس المدينة،
إلى صمتها ينوء من البرد،
نستطيع أن نخرج إلى الشرفة،
ونشعل الألعاب النارية،
الجُمَلُ ضباب ننحت منه أخيلةً عشوائيةً
ومعالمَ سرعان ما تبدد دخان غلايين على طريقها شرقاً،
وأنفسَنا بهذرها العصبي تنذر الساعة التي
تتكّ معلقة على حافة الشرفة،
كما لو أننا كنا ننتظر شيئاً لا نستطيع رفضه،
شيئاً يخرج منه وإليه أسلاك قوية،
مثل أوردة سوداء مشعة،
تفكّر في كل الخريفات التي تسحرنا وهي تصرخ بجنون.

تصرخ في الجحيم، كما لو أن عملاً قد تم على أكمل وجه.


* Claudiu Komartin شاعر روماني من مواليد العاصمة بوخارست عام 1983. يمثّل أحد الأصوات الشعرية الشابة المؤثرة في جيله، صدرت له عدة مجموعات شعرية، من بينها: "محرّكو العرائس وأرق آخر" عام 2003، التي حازت على جوائز أدبية عديدة في بلده، رغم أنها أول إصداراته، و"كوبالت" (2013، الصورة). ترجم عدد من نصوصه الشعرية إلى الإسبانية والفرنسية والألمانية والإنكليزية.

** ترجمة: عمرو كيلاني

المساهمون