أشلاء أيار

أشلاء أيار

19 مايو 2018
مصطفى الحلاج/ فلسطين
+ الخط -

خرجت من لغتي ومن سدمي
وأسلمت المدى شجراً من الحمى
هل كنت في دمع الشعوب صدى وذكرى
لا البوح أسعفني ولا كرز الحنين
فهل أسافر في الشتاء إلى المرايا..
وأسير تحت الشمس في الأرض التي تأبى الرحيل مع الحدود
وقد تضيق من أعلى علي وترتخي ضدي
فاين أجالد الأعداء؟
ذبنا في لهيب واحد حتى انصهرنا يوم داهمني الخريف
وضيع الأحباب جمري واستراحوا
دربي أمامي
وما انقطع المسير
بصيرتي حدسي
وقدامي الخليل
فهل تغمدني الرحيل وأعطبوا صوت الدليل ودانت الرايات إلا رايتي
فأترك يدي لأرمي جمرتي حولي
وأصعد سلّم الأرواح بعد الكارثة
سطا عزراً على حجري الثمين وشلّ غيري بالنحيب
فمن يردّ لغيرنا دمعي القليل
ومن يلمّ لنا الصدى
إن كان في ظلّي مناخ للسبات فأين أرضي
وأين أرمي دمعتي
وأرى السماء الواعدة
سقطت نجومي في الحريق فأظلمت طرقي
وتكاثر الأصحاب في كل المنافي
يحاربون ظلالهم في الريح أو بالذكريات
وعندما ساروا ليغتسلوا من الأملاح
ذابوا
وانتصرت سدوم
فبأي أرض قد أقوم من الثرى
وبأي جسم قد أموت وقد أدوم
وكنت أعلى من بلاد علّمتني كيف أمشي
وكيف اعتمر الكسوف على أبي
وعلى الخروج من الدخان
فكسرتها
وبقيت مع أغصانها العليا أصد النار عن ليلى
فلا انبسط المدى
ولا وجد الفتى البري صوتاً يستحيل إلى شذى
وكفي ساحة القتلى
تحارب نفسها
فتقوى
وتشن حرباً من جديد
وهكذا نحيا ونرفل بالحديد
هذا نسغنا
وهشيم أيدينا
ونحن المتعبون
فمن أنا حتى أرى دلمون في جرحي
وأنتمي لسلالتي
ومشكاة الطيور
شقيت فلا الزمان أضاء دربي ولا قلبي عصاني
ذهب هواك
يا أحلى ملاك
سبحان من سواك يا حبي
وفي دربي رماك
شقيت فلا الزمان أضاء وجهي
ولا قلبي عصاني
فخرجت من شجر الإله وقدت آدم في الوغى
ومن الوغى إلى بهو الجحيم
منحت آلهتي الرثاء
وفي الشتاء خلعت ظلي السديم
لتخرج من دمي حواء
فشفني بر وبرق
وعذبني غياب الأنبياء
فقمت من لغتي
وأسدلت السماء
خلقت وحلاً مثلما أهوى
وأدمنت العروج إلى الفضاء
أطاعني خلق ونثر ضاع مني
فلا البحار تجاوزت حدي
ولا الجبال ترمّدت
وأناملي أوتادها
فهل بقيت بلاد لم تخنا
وتخرج من ضلوعي الهندباء
لأسترد بها سمائي
وأحوم حول مسيرتي وبراثني
وأكتب للعدو هويتي أرضي
ونسياني محال
فهل في رحلتي شبه لأمي
إذا احتشد الصغار على يديها
وارتمى في صدرها نفر من الجن السبايا
فبأي دمع نخلع التفاح من أرواحنا ونحب آدم
وبأي موج ينبح الشرفاء بالفوضى
ونحكّ فردوس العروبة بالقوافي المالحة
فيا هذا الذي بدأ البداية وانتهى
عصفا من الذكرى
وظلّ يحلم دونما جدوى
فبأي دمع نقطف الأعداء من حيفا
ونصبح عاشقين بلا سبب
وبأي كف نلتقي
ونرد أرملة تحب بلا هوادة
فيا هذا الذي عشق المدى وعصا زماني
وصوب قلبه نحوي وأغواني
وعندما ضاق المدى ورأى الغزاة بكى عليّ وما حماني

■ ■ ■

فبأي عاصفة نمر ونشرع في البكاء على الملأ
وبأي نهر نلتقي ونخلع جلدنا ونظل حوريات
فيا ترب الندى
أنزلت فيك رسالتي
وفاكهتي البليغة والنشيدْ
فرشت أهدابي سماء
لتحرسك الأيائل من بعيدْ

■ ■ ■

وتناثرت روحي
ونمت في حجري الحزين
وكان شفافاً طريّاً
يا ليتني عنقاء روحي في الندى
لأعيش في أحلامه قمراً بهياً
فتمنعت روحي عليّ
وكنت شلالاً نقيّاً
ناشدت أهلي
فأعرضوا عني
فدمدم تحتهم قلبي
ودارت حولهم روحي
وكان لها دوياً

■ ■ ■

يا إرميا هل لديك مدينة لترثيها
وتمارس المكبوت والناسوت فينا
لنحب حتى آخر الخشخاش في دمنا الجسيم
وهكذا أبتي قبل أن يخلع يديه من السماء
ويدخل في المرايا
ويبني هيكلي فوق الجرائد
فلا ترحل بعيداً يا أبي، ولا تصعد سراب الذكريات
لتعرضك الفراشة في الزواج من السفرجل
ولا ترزح بعيداً عن دمي
وحاول
أن تكون من الصنوبر
لتحضنك الحروف وتبني عشها مما تمسده يداك
فأول الأغصان في الدنيا هواك
وأنت نبضي
عندما ذاب الفؤاد من التضوع في شذاك

■ ■ ■

كأنها لغتي تضيء على
المجوس القادمين إلى البتول
تضيء فارس والمدى
وهزائم الرومان في قانا وصور
فمن يحمي البذور إذا اعترى الناسوت بعلا
كنت أعبده وأهدمه
وأخرج من خيام شردتني
وأشهد أن أمي أنجبتني في السماء
وبشرت بالأنبياء
وصورتني بالندى
فصدني غيم
وأرجعني السراب إلى التراب
أطعنا روحنا
وسافرنا إلى شرق البوادي مرة أخرى
لنجري في المراثي
ونخرج من نصوص الآخرين إلى اليمام
أيأخذنا الحفاة على سبيل الانهدام رؤى
ونسرع في القراءة كي نطيل الانتظار

■ ■ ■

كان يوسف في النهاية طائراً
وفي الكنانة حائراً بين العبارة والحصار
وكان إخوته يلمّون الندى عن خده
ويشرّدون
وكان يوسف حاضراً في سرهم
وغالباً ما شاهد الآبار في الحلم العميق
ولم يكن في سره يأوي إلى خوفي ولا نومي
ولا حتى إلى أسرار والده العتيق
كان يوسف طاعناً بالأغنيات
وكان يغسل حزنه برؤى أبيه عن الذئاب
ويشتهي لإخوته الرحيق المنزلي
ولا يبالي إن رأى قمراً يفر من النزول على يديه...
لكن الهبوط على يديه أفقدنا التحية
وصار يخترق الفضاء بأصغريه
ويطلع من جهات كالبهاء لكي يضيء لنا الفناء
وقد دنا منا رويداً
وحط في أرواحنا المتهالكة
هو ذا الصبي في أحزانكم فتغمدوه
هو ذا الصبي في أسفاركم فترقبوه
هو ذا النبي في مصراعكم فتناولوه
وهاجر هجرة لا أرتضيها ولا أشق لها الغبار
وأدركنا الصباح ولم نصل طرف النهاية للرحيل
فدع السحابة في حصارك
والسماء لعصرنا
وخذ الفطام مجرداً
ولك الرضاعة من شقوق المستحيل
وله الخيار
كأن يغامر في الرهان على ذويه بلا ندامة
ولنا عليه أن نطوي كتابه
وأن نختار بئراً ثانياً في الشام أو عمّان
وأن نرقد طويلاً في الركام لنسرق الأحلام من جزر
الكلام

■ ■ ■

يا ليتني أرث المكان كما تركت له الزمان
يا ليتني في ليلة الإسراء نمت على الصدى
وتفجرت روحي من الريحان
يا ليتني في جنتي أطوي جحيمي
وأسمع صرختي في النار كمثرى
فهل نجري إلى الشهوات من شبهات عسكرنا
ونخفي أمرنا كسيدة تزاول جسمها المهجور
في صالون ضرتها البتول
ولا تمانع أن تبث إلى السنونو
ما يخالف وعدها بالآخرة
فنهوي بعدها
ونبني عشنا في القارعة
هذا على جسد المثال وفي النبوءة أننا
كنا نلمّ الأيّل عن أسوارنا
ونرسمه على أحلامنا المترامية
انفجر الزمان
وصار كنعان الغريب عن المكان وكان يسكن في
ضلوع السنديان
وما اهتدوا إلا ورائي للطريق إلى يبوس القارعةْ
لكنهم خرجوا من النسيان وانتصروا علي ومروا فاتحين على الخزامى
وكأنهم تركوا البحار لمن عليها واستردوا أورشليم
فيا أيها الحثي لا تحفل بنا عند الهبوط إلى الكنانة
ويا أيها القبطي لا تدمي جراحي في الخروج إلى آشور
أنا الموزع بين أطراف البريّة والمشرد بين أضرحة الدهور
أنا المدى
لكوني من تشرد ساعة الصحو الأخير وواجه الصبار في صحو الفواكه
وما تحملت النزوح وعشبهم فوق السطوح
ولن تموتَ إذا تغمدتَ الحصى
فإذا أنا حجر على الأشلاء والموتى
لفك شعارهم ونهارهم من الدلتا إلى سبي الفرات
وقد أشارك في الحراسة علّني
أجد البراري خيمة أخرى على طرف الجليل
وقد أطالب بالندى شرقاً وغرباً
ونهراً يشقّ جسمي ضفتين
لم أنتصر
لم أندحر
ولكني انكسرت على صعيد المحتوى
عندما ألقيت روحي في الردى رداً على حجر الجحيم
وفي السديم رأيت يافا تفتش عن صهيل خارج الإيقاع
وتنحت الأسماء في الدنيا
وتعلن أن عزراً يكسر التاريخ في دمه ليعرف من أنا
إذا أنا مزقت حوصلتي وحركت الزلازل
فتذكري
قد يطردونك في الوضوء
ويدحرونك في الصلاة
ويخطفونك في الزفاف
ويرجعون بلا بكارة
كأسي مرير يا أبي
لو كان لي أبتي ليساعدني وقمت من الثرى
ولكني صلبت وما هلكت
وها أنا فوق البراق
أدبّ عاصفتي على دمي المراق
سأخلع الناسوت عني
وأبني من دمي ملكوت روحي
للزوابع والتوابع
والصعود إلى السماء
هذا أبي وأبي ترابْ
أنا لي توائمْ
وأغلبهم سرابْ
أنا بكر أمي
وأنجبتني السحابْ
كنت في يافا أغني
وانحدرت إلى الخرابْ

■ ■ ■

غيرت بوصلتي لأكسر نبرة المعنى الرتيب وأدخل في النهاية
غيرت قافيتي لاكسر ما تبقى من رويّ خارج الإيقاع
وارتفع فوق التشابه في الرؤى أو في رؤاي
دارت رحاي على رحاي
ولم أجد أحداً معي
مستوطنات في دمي وعلى رباي
دارت رحاي على رحاي
ولم أجد أنثاي في حقلي
وزاغت عن خطاي

* شاعر أردني فلسطيني

دلالات

المساهمون