رائحة التفاح

رائحة التفاح

17 مايو 2018
مالك سعد الله/ تونس
+ الخط -

1
فجأة أطفأ التلفزيون، قال لها: معكِ مفتاح بيتكم في القرية؟
مندهشةً سألت: لماذا؟!
بعصبية كرّر: معك المفتاح أم لا؟
أجابت فقط لأنها تعرف: المفتاح عادة يضعه أبي على أول السلّم تحت البلاطة، قرب العتبة.
- عظيم؟ ارتدي ثيابك، سنذهب الآن.
- إلى أين.. هل أنت على ما يرام.. ماذا تقول؟
- لا تضيّعي الوقت..
- تقصد الآن.. الآن.. هل أنت جاد؟
- أسرعي، علينا أن نكون هناك، على الأقل بعد ساعتين.
- قل لي، لا أفهم. اشرح لي!!
- أبوكِ هذه السنة، هل ملأ أرضية صالون بيتكم في القرية بالتفاح من موسم الصيف الفائت كما هي العادة؟
- "تفاح".. صمتت.. غطت وجهها بكفيها.. متلعثمة أجابت: نعم.. تفاح.. تفاح... عندنا تفاح في المطبخ، الأسبوع الماضي جلب أبي كيساً ما زال نصفه في البراد.
حجم اللامنطق في ما يحدث كان يدفعها لتصمت.. أو تضحك ساخرةً من "مزحة" كهذه، لأنها لا يمكن أن تصدِّق رغبة زوجها، فغداً عندهما شغل، والساعة الآن العاشرة ليلاً، والقرية بعيدة ، والطقس جدُّ بارد، ومن أجل ماذا.. تفاح؟؟ والوسيلة الوحيدة للوصول إلى القرية هي سيارة أجرة، وهذا سيكسر ميزانية ما تبقى من الشهر.. ومع هذا، مصعوقة كان عليها أن تردّ:
- نعم، إنه يملأ أرضية الصالون بالتفاح.
البرودة تحفظه طازجاً، البيت في القرية مثل البراد، ثم أنه يكفي لسنة كاملة وما يبقى يمكن بيعه بسعر معقول..
وأرادت أن تكمل كأنها تحكي مع أحد لا تعرفه..
- هل تشرحين لي؟! أعرف.. فقط أسألك إن كان هناك تفاح أم لا، ثم ماذا تنتظرين؟!! بدّلي ثيابك بسرعة.


2
كان عليك أن تحكي شيئاً مع سائق التاكسي، ألم ترَ كيف كان طوال الوقت يحدّق بنا في المرآة، كما أنه حاول أن يقول شيئاً، لكنك لم تعره انتباهاً، على الأقل كان عليك أن تجعله يفهم أننا زوجان، انتبه.... أشعلْ عود ثقاب، لا أرى شيئاً. أتمنى ألّا يستيقظ الجيران. أعطني يدك. أكاد أموت من البرد. جنون... أشعل عود ثقاب آخر. هنا... هنا تحت البلاطة، حرّكْها، تصوّر لو نسي أبي أن يضع المفتاح. على مهلكَ.. افتح الباب شوية شوية..
أمام الصالون المليء بالتفاح صرخ الزوج:
- هذا ما أحتاج إليه.. رائحة التفاح ممزوجة برائحة بيت مهجور.
كرَّر الجملة مراتٍ. الزوجة حتى الآن لا تصدّق ما يحدث. البرد دفعها لتعاين المدفأة وإذا كان هناك حطب كافٍ.
جرَّ الزوج امرأته إلى غرفة النوم، بهدوء دفعها إلى السرير المغبر، بعبقرية عاشق صادق سقط على جسدها كألف مدفأة، برويةٍ أيقظ شياطين جسدها.. أهداها من الشهوات ما لم تحلم به أبداً.. مصعوقةً، وبسحر وغبطة ذهبت معه إلى آخر الليل.. آخر اللذة.. مثل فراشتين انخطفتا إلى نار الأبد، مثل جسدين لم يمر عليهما التاريخ.
أيقظتهما لسعات برد الصباح، قال: لا ترتجفي هكذا، تغطّي جيداً.. حاولي أن تنامي.
نهض، تناول بارودة الصيد. إنها جاهزة، هذا رائع.. كل شيء رائع. وقف على باب غرفة النوم:
- اسمعي.. هناك علبة كبريت على الطاولة، كما هناك ما يكفي من الحطب. أنا ذاهب إلى الصيد، لا بدَّ سأحظى ببعض الأرانب البرية والطيور.


3
أبداً، لم تفهم الزوجة كيف استسلمتْ بهدوء لفكرة أن زوجها لن يعود أبداً.


* كاتب من سورية مقيم في نيويورك

المساهمون