وراء درع من الأوهام

وراء درع من الأوهام

31 مارس 2018
(خوسيه إميليو باشيكو)
+ الخط -

(1)

هي الشمس بعينها الواحدة، الفم الذي لا يتعب من حرق الأبدية. كملك محطّم يرى من عرشه اضطراب تابعيه.

أحياناً تستوطن الشمس المسكينة، نذير اليوم الذي يهينك ويقذفك، جسدكَ، مزيّنة كل ما تحبّ بالضياء.

أما اليوم فهي تكتفي بالمجيء عبر نافذتك وإعلامك بأن الساعة قد أصبحت السابعة، وأن لديك حكماً لتخدمه: الأوراق التي تطفو في المكتب، الابتسامات التي يبصقها آخرون في وجهك، الأمل، الذاكرة... والكلمة: عدوّك، موتك، أصلك.


(2)

في يوم عيد ميلادك التاسع بنيتَ قلعة على الشاطئ. خندقها المائي مرتبط بالبحر، أفنيتها تؤوي لمعان الشمس، وبُريجاتها كتل قشرٍ مرجاني وضوء منعكس.

احتشد حولك جيش من الغرباء ليُبدوا إعجابهم بعملك. رأيت كروشهم التي نهشتها التجاعيد، وسيقان النساء التي مضغتها ليالٍ دامية ورغبات.

وبعد امتلائك من سماع المديح المُغدق على قلعتك الكاملة، عُدت إلى المنزل، يانعاً بالنزوات. اثنتا عشرة سنة مرّت منذ ذلك الحين، وأنت ترجع كل حين وآخر إلى الشاطئ لتجد حطام قلعتك.

المدّ والجزر هما المُلامان على إبلائها. لكن الأمواج ليست المذنبة: فأنت تعرف أن أحداً داس عليها حتى أحالها لا شيء - وأن البحر سيعيد بناءها ذات يوم.


(3)

في آخر يوم في العالم - عندما لن يعود هناك جحيمٌ ولا وقت ولا غد - ستنطق باسمها دون أن يلوّثه الرماد ولا الأعذار ولا الخوف. اسمها، عالياً وناصعاً، كجزء الثانية الذي أتى بها إلى جانبك.


(4)

يرجع البحر الصدى. يشعل مصباح الفجر صدر الجُزر المُظلمة. وتنهار السفينة العظيمة وتغرق بعزلتها. وعلى حائل الأمواج يحتلّ الليل، جريح الساعات، الواقف كدقيقة مفتوحة، مكانه.

نسجت كائنات الشاطئ متاهات في عين قبطان السفينة المحطّمة، الذي سيصبح في ما بعد جَيش موجة، سراباً مخلصاً للوقت. طحالب، شاطئاً أخضر، فتاة محطمة ترقص وتومض عندما تزورها الشمس.


(5)

لحين من الزمن وصولاً إلى هذا المكان، كانت للأشياء لديك مرارة الاحتضار أو الاستهلال. انتصار هزيمتك الصعب، عِشتَ كل يوم وراء درع من الأوهام. وغادرتك السنة المريضة بأيامها الرهينة التي حاصرتك وأذلّتك، ساعات لن ترجع لكنها ستحيا في شواش ذاكرتك.

في احتضارك أدركت أن السر من السهولة بمكان. اليقظة غابٌ من اللُقيات، معجزة تجد المفقود وتدمّر الموجود. وذاك اليوم المستقبليّ، ذاك البؤس الذي يواجهك وحيداً: وأنت تخترع وتصقل كلماتك.

تعال، الحق بماضيك وادخله. رَ نفسك، غريباً ووحيداً، لحين من الزمان إلى هذا المكان.


* José Emilio Pacheco شاعر مكسيكي (2014 - 1939).

** ترجم النص إلى الإنكليزية: فيليب ليفين، ونقله إلى العربية: أنس الحوراني.

المساهمون