بيتنا تحت البَرق

بيتنا تحت البَرق

30 ديسمبر 2018
(كشيشتوف شيفتك)
+ الخط -

قصيدة
ماذا تَظنّه خرج منها؟
صباحات مصنوعة،
في عقارٍ مهجور،
في فِرَاش مُبتَلّ،
مع الغثيان، مبتسماً
مثل هولوغرام طَلَبتُ خضروات،
في كُشكٍ قُرب الصيدلية كان أحد الشياطين يَعمَل بدأب،
مورِّد عَلَف، ممارِسٌ للسلوك الخشن،
هذا كل ما أذْكره.

كان يَعُضّ التراب مثل شوكة حديقة تعضّ التربة،
لا لشيء على الإطلاق، ظلّت زوجته تدمدم
بالشتائم فوق التابوت،
الابن كان رفيقي في التدخين،
هذا كل ما أذكره.

كنّا أحياناً نشاهد الغسق
من أَسْقُف العمارات العالية،
يَنْبُت في تُربة السماء،
ينزلق على السلالم، إلى الكرنفال الزراعي
حيث كان من حظّي أن أصطدم بالناس
وبالطبع مُتُّ
بعد أوّل اتصال،
هذا كل ما أذكره.

تشهد عليّ القصيدة.


■ ■ ■


زفرة
أيْ نَعَم، الحديقة التي حَرَثها الموت الروتيني نَمَت أكثر من اللازم،
مع أنني لم أنتبه، لم أكن بالبيت
وكما يقولون على الواحد أن يأسف، لكننا لم نكن نعرف بعضنا جيداً،
على الواحد أن يتفق مع أولئك الذين لا يَخرُجون أكثر من اللازم،
قاصرين أنفسهم على زفرات من الضوضاء، دَقّة قويّة بدءً من الفجر، ليس إلا خُطَبُ
المتعصبين، أغانٍ في غاية الغرابة، وأحاديث عبر القبعات، يبدو أن هذا يناسبهم،
الابن وأمه العجوز، فقدا الاتصال ببعضهما، باستثناء الإهانات.

ما بقي هو الأعشاب الضارة، أزهار تَبَوّلَتْ عليها الكلاب، شقّة
في الدور الأرضي، بخار نافد، مربّى مُؤمّنَة. ومع كل ذلك يمكن
للواحد أن يصل إلى اتفاق ما، ظِلّ الأصيص هو ما كانا يقصدانه على الأرجح.
هكذا يبدو لي الأمر الليلةَ وأنا أُدخن في الشّباك، أُوَسّخ الحديقة،
وأمارس وقاحتي، يُكْسِبني شجاعة أكثر هذا النَقْص الذي أعتاده،
لكنني بالتدريج أحمل هماً، وأخطو على الآثار بين رُقَع الخضروات،
أستطيع أن أرى أين تَسقُط الكلمات، وأين - لا شيء إلا المطر.

لا يَعِد الناس أنفسهم إلا بالقليل جداً في ضوء
الإمكانات المتاحة. مثلاً، هؤلاء أنفسهم. وحوش في الحب،
برمائيات وَدودَة تتحلّق حول ذَبيحةِ مَظَالِمِها وكأنّ المسألة هي
جُلُوس على بَيضة فارغة، عُشّ من الدماء غير مَعلومة الأصل، حَبّة كيوي
قُذفت وراء حمامة زاجلة تطاردها. لقد ظَللتُ أطلب، أستحثّ،
ليقتلْ كلٌ منكما الآخر، رجاءً، لكنْ لم يسمعني أحد، لم يكن لصُراخهما آخِر،
وأنا لم أفهم إلا الآن، وأنا راقد على ظهري، حفنة من العِبارات.


■ ■ ■


عصير
عِظام وَجْهٍ موجّهة إلى الأركان.
هنا ترقد مملكة العالم.
تتورّم الأشجار، تَحتلّ مُعسكراً
تتوارى الشمس من خلفه
حيث النفايات وكل شيء سواها ترانا
بوضوح بالغ.

رداء الراهِب يُخَشخِشُ في الضوء
عَكْسَ الريح، حين ينهار الصوت
فوق هضبة نفكّر فيها
بمعزل عن أنفسنا، وكأن شيئاً حدث
أو بقي وأمكَنَه أن يوجد
على هيئتنا.

لا شيء يوجد على هيئتنا.
هذا ما يصمت بشأنه الرداء
وتتأمله الهضبة،
ويراه الزمن. هنا في هذا المكان
تشتد وتيرة التورُّم،
تسقط العظام على سلالم
تؤدي إلى أعلى.
ثلاثة وثلاثون.


■ ■ ■


وصف صورة إنسان
قِوام مطروح بعماء
بعرض نهر يَعجّ بالملاريا،
يُصَرَّف عبر قناة إلى
بِركة راكدة،
حيث يتلاشى كالطين.

مصطلى توقِده عِظَامٌ صاخبة
مَغرَفَةُ أَرُزّ، ورق مصنوع
من الخِبرة مباشرة، بلا مشاركة
لا من ذات ولا موضوع
انعكاسها.

طريق مُسَفْلَت عبر سهل
يقطع غابة لا يوجد فيها إلا
عزف الزيزان وغبار
لم يُصنَع منه الطريق،
حيث لم تكن هناك حاجة لذلك.

مستعمرة من البِرَك،
وبيت وراء سياج
مع "تندة" تُظلّل مكاناً للعيش.
هذا هو الضوء المُسلَّط
على غاية طريق
يؤدي إلى لا مكان.


* Krzysztof Siwczyk شاعر وممثّل بولندي من مواليد 1977، خرّيج "كلية الدراسات الثقافية" في "جامعة سيليسا". أصدر اثني عشر كتاباً في الشعر والنقد الأدبي منذ 1995، وحاز العديد من الجوائز والتكريمات في بلده. كما لعب دور البطولة في عدد من الأفلام ذات الصلة بالأدب، أبرزها فيلم المخرج ليخ مايفسكي عن الشاعر رافاو فوياشتسك، والذي رُشّح لجوائز الفيلم الأوروبي في باريس سنة 2000.

** ترجمة يوسف رخا

المساهمون