لن يذكر أحد رياحيني

لن يذكر أحد رياحيني

25 يناير 2018
إبراهيم جوابرة/ فلسطين
+ الخط -

(1)
برحمة لا تضاهى أغفر لأصدقائي أخطاءهم
لكن من يغفر لي،
من يغفر أني تركت الأخضر يأكله اليباس على قبر أمي؟
فمرّت الأعياد
ولم أحمل قليلاً من الماء لأرشَّه فوق التراب.
وتركتها صبح العيد تصغي وحدها للخطى السائرة نحو القبور القريبة
بخيبة أمّ ميتة تسمع الفاتحة على أرواح الغرباء
دون أن تهمي فوق عظامها حصّتُها من الآيات.


(2)
في حرب الخليج عادت العائلة الى الأردن كما معظم "المغتربين" في الكويت، تحديداً الى منطقة شعبية في الزرقاء، حيث كان عمّنا الوحيد يسكن. وحيث لم نكن نعرف في الأردن غيره، اشترت أمي بيتاً بجانب بيته تماماً، بقناعتها البسيطة كامرأة فلاحة، أننا وفي ظل يتمنا بأبينا سيكون من الجيد أن نكبر الى جانب عمنا الذي لم يرزق بطفل رغم تكرار وتعدد زيجاته.

كانت الحارة الشعبية مليئة بالأطفال الصغار الحفاة، الذين نادراً ما كانوا يرتدون سراويل أصلاً، وأكثر ما يعلق بذاكرتي الآن، علب "النيدو" وعلب السمنة والزيت التنكيّة الموضوعة على الشبابيك، التي تحولت إلى قوارير مزروع فيها ورد وريحان ونباتات كثيرة لا أعرفها ولكن كانت أمي تحبّها، فملأت بها نوافذنا.

وحتى حين غادر إخوتي الى عمّان بعد وفاة أمّي وعمّي، كانت نافذة غرفتي الجديدة تحمل في حوافها ريحانة لا أملّ من سقايتها والاعتناء بها. وحين قررت الانتقال من بيت أخي للسكن وحدي في جبل عمان أخذت نباتاتي وربيتها على البلكونة كحيوانات أليفة. وكنت أحب رائحة الريحان التي يعبق بها بيتي دائماً ولم أجرب أن أسأل نفسي لمَ في كل بيت أسكنه أحضر ريحانة، إلى أن انتقلت للعيش في رام الله.

هناك، وقبل أن أشتري أي شيء للبيت الجديد كنت أقف أمام أحد المشاتل الزراعية أسأل صاحبه عن الريحان وكدت أطير من الفرح حين اشتريت واحدة وعدت بها الى الطيرة حيث سكنت!

وقتها صرت أعرف سرّ تعلقي بهذه النباتات الصغيرة وإصراري أن تظلّ شرفتي تعبق برائحتها، فقد كانت نبات أمي المفضل وكانت رائحتها تذكرني بأمي فكلما اشتقت لها وفي أي مكان، هززت الريحانة لأشعر بحضورها.


(3)
أفكر كثيراً بمَ سيذكرني أصدقائي حين أموت؟ بأي رائحة أرتبط عند من أحب؟ أضحك كلما فكرت بأن أحبّتي سيتذكرونني ربما على موائد الطعام وبرائحة طبخي على الأغلب فقط، فلن يذكر أحدٌ رياحيني أو عطر الـ"نينا نينا" خاصتي.

ربما رائحة "كريما" الطبخ التي أستعملها، تعلق بذاكرتهم أكثر من أي شيء آخر!


* كاتبة فلسطينية أردنية

دلالات

المساهمون