وَرَثة سكان أودية الفردوس

وَرَثة سكان أودية الفردوس

08 سبتمبر 2017
(خوسي سارّيا)
+ الخط -

الجسر

"لا شيء يُوقف فسق الزّمن"
(منوال غَاهيتي)
إلى منوال غايتي، على الدّوام.

أحياناً يُخيّلُ لي أنّه يصيح عليّ لأجتازَه. وأحياناً أظنّ أنّه يطلب منّي فحسب أن أبقى متأمّلاً أمام طريقه وحاجزه الصّخري وهذه العيون الكبيرة الّتي يخترقها سيل النّهر الدّائم.

الجسر ما زال قائماً بمجازه المتداول عبر القرون: لن تعرف حقّا وأنت تجتازه إن كُنتَ ذاهبًا أم عَائدًا، فالجسر لغزُ وجودنا وسيبقى يطفو فوق مياه الأنهار.

■ ■ ■


الأندلس

لا أذكر كم ساعة أو ربّما كم يوماً بقيت جامداً، مذهولاً كأبي هول من ملح، أمام ذلك البحر الشاسع من الرّمال. كانت عيناي تنظران إلى مشهد الفناء والعدم ولكنّ قلبي كان يحسّ بأنّ أصولي موجودة فيما وراء ذلك الأفق (وربّما أبعد منه بكثير) اللّامع في ضوء شمس الأصيل.

كنت أتذكّر تحت ظلال السّنْطِ الحكايات القديمة الّتي كانت تُحكى لنا حول ماضٍ مجيد وموضع فخر قُرانا، أيّام كان أجدادنا يُشيّدون القصور ويزيّنونها بالفوّارات ويتفنّنون في الكتابة والرّسم ويبنون المدارس والمساجد ليعبدوا اللّه الأوحد. وكانت سيوفهم الحدباءُ مخيفة كصواعق السّماء.

لقد كنّا، رغم فقرنا الحالي، وَرَثة لسُلالة خلفاء ووزراء سكنوا أودية الفردوس: الأندلس، وطنُ الماء وجذورُه.

■ ■ ■


جمهوريّة البندقية

توجد حيوانات
أنجبتها الآلهة
أو فيالقها السماويّة.
وفي البندقيّة،
يُمكن حضور المَشهد
العجيب الّذي يَخْفُقُ
في الحزن
الأخضر
الكامن بأحشائها.
روى سكّان البندقيّة أنّ البحيرة
كلّما غمرت السّاحات والشوارع
ومحا الضّباب شبح الكنائس،
يُمكن سماع
فيالق الملائكة
وهي تنزل إلى القنوات
لتحضن في مياهها
أُسُودًا مجنّحة
وخيولاً مذهّبة
تصعد شيئا فشيئا
إلى أفارِيزِ القصور
وأعمدتها وأقواسها
وإلى أشْعِرَةِ بيوت النّبلاء.
وهناك تبقى طيلة قرون،
متكلّسة، كرمز
لبلاد كانت في وقت مضى
جمهوريّة بحر الأدرياتيكي.

■ ■ ■


الصّحراء

"وجِدْنَا رَغْمَ التَكَهُّنات".
(لمان بويتشا)

وُجِدْنَا
رغم النّسيان.
وُجِدْنَا
رغم الصّمت.
وُجِدْنَا
رغم الإنكار.
وُجِدْنَا
رغم الموت.
لأنّنا الضّياء
الّتي تعكسها عيونُ الأطفال وهم يمرحون بين الكثبان،
وابتسامتهم الدّافئة وهم يستدرّون المَاعِزة،
وأياديهم السخيّة وهم يلتقطون أُولى الأمطار،
وأحلامُهم الزّرقاء
وهم نائمون على الزّرابي.
وُجدْنَا فيهم،
وما زلنا، رغم كلّ التكهّنات.

■ ■ ■


أبداً لم أكن أكثر جمالاً

لم أكن أبداً أكثر جمالاً كما الآن حين أعرف أنك تحبني. لم تكن همهمة المحيط في داخلي، ولم تبق أبداً هذه الرياح في يدي. لم يشتعل شعري أبداً ولا كان طعم الآلهة في شفتي. لم تكن أبداً ساقاي من عاج خفيف ولا أردافي تشبه الغزالة، ولم تنبع أبداً من ثديي الأنهار الشفافة ولا تلك الوديان التي تجري في ظهري أبداً...

طفحت مياه البئر من عيني عندما علمت أنك تراني حلوة، وعطرة بلا نهاية. وأنك تحتضنني في ذاكرتك، وتتحول كلماتك أكاليل زهور في لياليّ وأنا في انتظارك فتية، وشاكرة وكريمة، بعد أن عرفت أنك تحبني.


José Sarria شاعر وناقد إسباني من مواليد مالقة عام 1960. من أعماله الشعرية: "سجناء بابل" (1996)، و"جذور الماء" (2011)، و"لون الذاكرة" (2016). أنجز عدة أنطولوجيات شعرية، من بينها:"شعر أندلسي في كنف الحريّة: شعراء أندلسيّون في الربع الأخير من القرن العشرين" (2001)، و"أبناء العبور: شعراء عرب معاصرون بإسبانيا" (2013).

** ترجمة عن الإسبانية: محمد نجيب بن جميع

 

المساهمون