لأن الحرب حبٌ من طرف واحد

لأن الحرب حبٌ من طرف واحد

03 سبتمبر 2017
عاصم الباشا / سورية
+ الخط -

هنالك
على مرمى الشفق القرمزي
تحت مظلات
جنحت بشموسها للمغيب
حب صغير
يتوسد يد المحب الصغيرة
في غفلة من حرب
تتمطى هاذية في المراجيح
هنالك محب
يتوسد يد الحب المبسوطة
عريشة عنب تسرد صيفا
أخضر
الهوامش والشروح
الشمس المعلقة
لصق رموش تمسد
أبدية زرقاء
ترتعش قليلا
قبل استقرارها القزحيةَ العاشقة
الفراشة التي يستنسخها
الضوء انعكاسا للهشاشة
تسوس عرباتها
سماءا سماءا
بفرارٍ حوذيٍّ يتناثر
من مسيل ألوانها السخاء
زهرة بريةً
نحلة تواقةً
يترجح العاشقان
في عقد القبل الخائفة
لكن السماء
ليست زرقاء تماما
تحت قباب القبرات
بما لا يثير حفيظة الريح
بما لا يستنفر غيمة المساء
ضجر الرصاص
سريعا يتقشّر طِلاء الساعات
النوافذ تحلق في سمائها عاليا
تاركة أوكار الآجر
على قارعة الانتظار
.............
.............

أيتها الروعة أيتها اللوعة!
أيتها الأيادي العاشقة العائدة من القطاف!
.............
.............

قميصا قميصا
يلملم المغيب الواقف بشبحه
غسيل البحر المهمل على الحبال
في سلال الغياب
.............
.............

يسأل الولد العشيقة
- هل أنت خائفة من القصف؟
- خائفة بضفائري الطويلة
على حب ليس من طرف واحد
لأن الحرب حبٌّ داعر أحادي
حليق الإبط و الذوائب
- ألا ترى؟
- ماذا؟
- السماء خلت من نجماتها؟
- النجوم هربت من سماء
أضحت مقبرة محلقة
- أين تختبئ الآن؟
- في أعشاش الشجر للتكاثر
بجوار صيصان تعتمر قبعاتها الواقية
- أين ذهبت عصافيرها؟
- التحقت بفرق الإغاثة
لإسعاف الضحايا
- ألا يزال الشجر واقفا؟
- لا يستطيع الانسلاخ من عمق التراب
لا يستطيع الانسلاخ من عمق الجذور
.............
.............

ثقيلا يتحدر الظلام
من شجرة الحرب الحامضة
بغصون غربان تسرحها
تكاد تلامس وجع الثرى
.............
.............

الجدول الذي أخطأته القذائف
ينجو بطفولته المتزلقة
مبحوح الأصداء
من حصاة إلى حصاة
متخطيا دبابة متفجرة
.............
.............

تحت سماء شاغرة للقتل
يفترق العاشقان
حين تَلُوح أول طائرة
تزرع
السماء كروما من الشهب
فيما يختبئ القمر المهيض
وراء حاويات القمامة
.............
.............

تسأل البنت قبل الفراق
- هل تذكر أول لقاء؟
- وقعنا في الحب من الوهلة الأولى
- متى وقعنا في الحب؟
- عندما قامت قيامة الحرب
- إذن هذه الحرب لم تقع
- بالتأكيد لن تقع
.............
.............

بيْد أن الحرب كانت تقع
في تمام لقاء العاشقين
(كما لو كانت مجرد إشاعة
تعجلت تحقيقها
شفاه مذيعة الأخبار العاجلة)
لأن عشاقا كثيرين
وقعوا
في قبضة الحب الصاعق العنيف
و لم تستطع هشاشة الحب الأعزل
أن تحُول دون تسلُّل
الراء الأفعى
إلى دفأ العش المنثور على العشب
بزغب صيصان مضيئة فقست للتو
في بستان الرب المداس بأحذية الجنود
.............
.............

الشمعة التي دأب الحب
خِيفة
في تهاويل هطول الرصاص
على إشعالها في غرفة العاشقيْن
دائبة
على تشجير الظلام
برتقالا ملقحا
في أنفاس بستانها
بضربات لسانٍ نوراني عاكف
على تحلية فص حِرّيف المذاق
في ركح الذعر المتوسّد
عاريا
انقضاض القيامة على أرضية البلاط
.............
.............

تخلد الأرض لنوم لا يجيء
مزهريةَ سهادٍ
تهدهد
وردة الرماد المتفحمة
.............
.............

نامي أيتها الحرب
أيها الحب المخذول من طرف واحد
أيتها العروس المدفوعة الدم سلفا
المساقة قسرا إلى سرادق الندم
نامي في سريري حتى الصباح
ريثما يرجع خطابك الألف
كلابا سلوقية في الريح
نامي
يا دمية تطرف عيناها
على رف الأقوياء طوال الوقت
منزوعة الحواجب
نامي
في سريري حتى الصباح
غدا أطفالك الذاهبون
إلى مدرسة بلا جدران
متأبطين شموسا مبللة
في دفاتر الرسم الدافئة
يزرعون لك قنزعة ريش
تزدهين بها
جناحا قبّرة يحلقان
أعلى من طلقات الرصاص
منقارا مفتوحا على أشدّه
يشُرُّ بالأغاني
و شريطا مربوطا
إلى سبابتهم الصغيرة
كي لا تتوهي
في سماء شاغرة للقتل
نامي أيتها الحرب
في سريري حتى الصباح
فقد بحت زيزانك من النفير
نامي يا ابنتي
نامي يا دميتي


* شاعر من المغرب

المساهمون