أسرار ما بعد النسيان

أسرار ما بعد النسيان

29 يوليو 2017
سعاد العطّار/ العراق
+ الخط -
(إلى لويس ثيرنودا)

مع ظله يمضي الشاعر على غير هدى،
في الشفافية التي تختنق
وعلى رصيف الوقت المنحرف
خلفك تبقى الفصُولُ،
يستمرُّ شذا الصمتِ
وفي المرآةِ أطلالٌ.
كل هذا الصمت، كل هذا العطش،
وكل هذه الليالي الحديدِ
تعودُ إلى عدمٍ
بلا مواكبَ.
إن ماتوا فَفِي صمتٍ،
والعواصفُ لن تغفر أبدا
نبوءةً زائفةً
سَلَبَتْكَ شمُوسك القديمة.

على رصيف الوقت المنحرف
خلفك تبقى الفصول،
فيض ساعات خرساء
لم تنطفئ بعد،
ويبقى احتضارُ كلماتٍ من زبدِ الوقتِ،
تماثيل تتخفى في العزلة،
غسقُ قبلات كئيبة،
ورودٌ وفراشاتٌ في حرْبٍ مُعلنةٍ،
ويبقى النسيان،
قناع عمرٍ يتلاشى في الفراغ
يداعبُ كتابَ النشوةِ السكرى
عليه نثارُ ورودٍ من ورقٍ مُقوَّى،
نظرةٌ من رمادٍ،
وأرقُ أرواحٍ تقيمُ في الظلِّ.

خلفك تسحبُ سماواتِ المنفى،
مواعيد مع أسحارٍ بعيدة،
تراتيل توشي الماءَ
أساطير الغُرْبَةِ القُصْوى
إذ تهربُ نحو أبعاد أخرى
وتتضاعفُ
مثل ألحان لا متناهية لعالم لا تخمُد جذوته،
اغتيالاتُ بساتين الزيتون
تحت أعين الفجر،
حدائقُ رغبات تتألقُ
وأنينٌ ليليٌّ ما بين الجذوات.
وفي العتمة تتيه نظراتك العارية
وهي تمحو أسرار المياه الأسيرة.
أنت النهرُ. وليلك هندسةُ
قبورٍ وبروقٍ ووَهَداتٌ.
أحيانا يُشرعُ لك العمى خطوةً
نحو تخومِ الضوءِ،
لكنه لا يوقظ سماءك المتواطئة:
قبة زرقاءُ بلا نجومٍ، بلا أجنحةٍ وبلا أفقٍ.
أيهذا الفؤادُ المشتعل
لأجل صمت الغدير!
أيا عبداً لكلماتٍ أخيرةٍ،
لأصداءِ أرْضِك المُقفِرَة!
يا حبّاً مُسجَّى بالسُّطوع
إذْ يَحْشُدُ الأغنياتِ المُمْطرَة،
يا شاهدَ أصواتٍ تلاشتْ في أصواتٍ
وهي الآن أحجارٌ وظلالٌ
تدمِّر بيتك!
وكلما دنوت من قدرك الحتمي
وجدت نفسَكَ بعيدا عن نفسِكَ.
أيقظ هواء طفولتك في الضوء
الذي أبدا لن يعود
أتخافُ عودتك إلى الفراغ؟
أن يأخذك نحو ضفافٍ
حيث يرقصُ الموتُ
وحيث تخفقُ جذورُ حزنك.
في عزلتك تطلقُ أسماء في الهواء،
في مهب الريح الكثيفة
تسمَع همساتِ الحدائق،
موسيقى الريح التي تبكي منفاكَ
وهي تعبرُ فضاءاتِ خوفِكَ،
دوارُ ظلالٍ ملتبسة
أبعدَ من النسيان،
لكن الشاعرَ فيكَ يمضي مع ظله،
تحت الشفافية التي تختنق
وعلى رصيف الوقت المنحرف
يستمرُّ شذا عابر
بلا معنى،
يستمرُّ شذا الصَّمتِ وأطلالٌ بلا مرآة.
إن ماتوا في صمت،
فلن تغفرَ العواصف أبدا
نبوءة زائفة
سلبتك شموسَك القديمة.


* شاعر ومترجم من المغرب

المساهمون