ساعة الخسارة غير المقصودة

ساعة الخسارة غير المقصودة

24 يوليو 2017
(جوزيف ستراكا)
+ الخط -

منافٍ غريبة 1

أن تدحضَ الخطوَ، أن تتداعى -
يتوقفُ النهارُ هذا في الحافلاتِ الخاوية
والناسُ على امتداد الرصيف قد تخضّبوا بهاجس غريب
الصباح أكثر تشوّشاً من أيّ وقت مضى
وبالتدريج يلفُّ الضبابُ الأنباءَ:
انسربتِ المياهُ، أُغلقتِ الواجهات، ثم ازدحام محموم على الأدراج المتحركة
صدأ في الأبنية الإدارية.
يهمس في المقصورات والأروقة المتّصلة المريبة.

■ ■ ■

منافٍ غريبة 2

يمسك المرءُ نفسه متلبِّساً بذهوله عن المكان، أيّ مكان
بهدوءٍ تُسلِّمُ الحافلة في القفار الصناعية بالظلمةِ والرهافةِ
وتلُوحُ الحواشي السفلية أكثر بُعداً في تضاعيف الارتباك الزّريّ لبراهين امرئٍ ما-
نحن جميعاً آثمون، أو على الأقلّ بعض منّا
انتهَكَ الحرماتِ. ثمة النظرات الغريبة المواربة
والجهرُ بالرفض على رؤوس الألسنة
أترجل من الحافلة في محطة كابلو
وحُبيبات ثلجٍ "تُغِيْرُ" على مؤخرة العنق
أنتظر حافلةَ وجهةٍ أخرى ويطول الانتظار
ثم تأتي الحافلة التالية أخيراً
وتقوم بدورة مضجرة في باحة متجري ليدل وكوفلاند
الظلام وراء مقابر أحداقهم
ببنما تنحدر بمحاذاة أبنية النصب والاحتيال الضخمة
باتجاه أنفاق الأحياء المنسية
والضحك يعلو بين المسافرين على متن الحافلة إلى وجهات بعيدة
لكي تؤسس ذاكرة الأمكنة في المنافي الغريبة
لكي تجتاز تقاطعاتِ الأنظار منذ عشرين عاماً لعلك تتشبث بشيء ما
قبل أن يتحلّلَ من جديد في الغياهب الشاحبة صاخبةِ القهقهة

■ ■ ■

بين الجُزُر

مرة أخرى يعبق النهار برائحة نتنة تثير الاشمئزاز
المزيد من الهزائم، النهار قد اتّخذ قوامه بطبيعة الحال، هكذا لن يتسنى لك أن تغضب
وأنت تدنو أكثر وأكثر من ساعتك المترددة
ساعة الخسارة غير المقصودة
هكذا بعد حين ستجد أنها المسألة العتيقة الأبديّة ذاتها
لكنها حتى الآن لم تزل تتوق وتبسمُ
وأنت على وجه الخصوص لن تلقى إلا ما لا يُعتدّ به
في ساعاتٍ صباحية شافية لمدينة أجنبية
لا تفتأ تعيدُ مصارعةَ
الساعة، بالانفلات من
شلّةِ رجالٍ من هذا العالم يُبطنون الازدراء وجماعةٍ ضُيِّقَ الخناقُ عليها
تعيث مع الشذّاذ، وهذا ما لا يسبب الأذية
تعيث مع الشذاذ، وهذا ما يتّفقُ، بما هو جزء من حالةٍ ما، مع ما يجب أن يحدث:

في مكان ما، لاحقاً، داخل حانة خاوية ما بين الأنفاق الأخيرة يضع أحدهم تسجيلاً قديماً لـ بيل هيلي
"ليس هذا، لستُ أدري-"
معاً نمعن النظر في ظلام الريف المخيِّم على تخمٍ نؤومٍ وراءَ كلِّ ما يمكن تخيّله من تخوم المدينة
في محاولةٍ لتناسي أمرٍ ما
بينما نشقّ طريقنا من المغسل ومخزن السلع نحو الحديقة ذات حجرة الصرف الصحّي
أحياناً نتوق إلى الإهمال المطبَق
في طريقنا إلى موقف الحافلة بين الجزُر

"لكن" و"أخيراً"
وكلّ ما بقي من الكلمات
التي تختلط في أذنيّ داخلَ حانة شيلينغ قبل منتصف الليل
على الشارع الرئيسي من الحي البائس
الأضواء الأرجوانية لمحالّ العروض الجنسية من خلال المناظير، الملاهي الليلية وما يسمى بمراكز التواصل
مع صورةٍ ظلّية لفتاة بيضاء على خلفية حمراء-
يسترخي الناس على مقاعد الاستراحة
حركات بطيئة، صوت يدعو إلى عرض في المسرح المحليّ
فتخلو بعض مقاعد الاستراحة
وآخرون، وراء فاصل صغير، يدخنون برخاوة
دون أن تبدر منهم كلمات إضافية
بعد الأنباء التي لا يسعك القيام بشيء حيالها
إذ ألفيتَ نفسك وسطها دون معين
لكن- جريئة بعض الشيء
أخيراً- تستسلم الشفاه

■ ■ ■

على نهر الأودر

ألقى نفسيَ تائهاً في مكان ما
الرفيقَ النَّسّاءَ للزمانِ
والمكان، اللذين ينفتحان أمامي بشكل مختلف
واللذين أعرف عنهما بكلّ يأسي القليلَ
بعض عشباتٍ، مشهد البحيرات المستنقعية
وقلّة من بشر على الجُزر
ينتظرون مجيء الفتى في القارب لكي يقلَّهم إلى الجهة الأخرى
عشواء من الممرات، ألقي نظرة على النهر الهادئ الآنَ
أقول في سرّي، ما أزال أدمنُ العودةَ التي لا تكلُّ
كصفحة تمزقتْ بعضَ الشيء
عليَّ أن أُبَيِّضَ حيطانَ البيوتِ الصّمّاءَ
دون ادّعاء "أني أيمّم وجهي شطر الوطن"
وخزتِ الإصبعُ خريطةً أُخرجتْ من حقيبة ظهرٍ لي
تجعّدتْ تحت مَحافظ عديدة، كلٌّ منها لعملة مختلفة، تحت معطفٍ مطويّ ومظلة.

■ ■ ■

أودر فرانكفورت

أَعبرُ، ثمة مِزَقٌ من كلمات هي بطبيعة الحال شطر من تاريخ
عاديٍّ صغير،
وبسبب إغلاق وجهة السير أنتظر مع آخرين رحلةً بديلة
هناك قرىً متناثرة في سديم ضارب إلى البرتقالي، غروبٌ لا نزال نشيح الطرفَ عنه
ثمة بلداتُ بيترسدورف وجاكوبسدورف وبريسّن
وأناس ينتظرون في المحطات، مرتبكين يجرجرون أقدامهم على الأرصفة
دون أن يبدو أن الحافلة المناسبة في طريقها إلى المرور من هنا، ثمة قلقهم
وأيضاً ارتياحهم في نهاية الأمر لرؤيتها قادمة
قبل أن يهبط الظلام بقليل
هناك حقائب التسوّق، حقائب الكتف وشعار أديداس المطبوع أبداً عليها، الأكياس الشبكية، حقيبة سفر مربوطة إلى درابزين بحبل أبيض
يبقى الناس على هدوئهم، فلا شيء يمكن أن يعوّض تأخُّرهم هذا المساء.

*JOSEF STRAKA شاعر تشيكي من مواليد عام 1972. درَس علم النفس في جامعة كارلوف، براغ، ثم عمل لثماني سنوات في الكليّة. ومنذ 2006 اشتغل في مكتبة براغ العامة. من كتبه: "و.. أزمنة أخرى" (1994)، "لماذا" (1995)، "فندق بريستول" (2004)، "بلدة مونْسْ" (2005)، "كنيسة يلفّها الضباب" (2008). يعنى بالفن التشكيلي ومن هواياته المفضلة التجوال في البلدات الأوروبية واستكشاف خصوصية غرف الفنادق فيها.
**ترجمة أحمد م. أحمد

المساهمون