أغنية للرياح

أغنية للرياح

20 يوليو 2017
("غيمة وكرسي"، أنطوني تابييس، برشلونة)
+ الخط -
1
أعرفكِ
أعرف هيولاكِ الصادقة
وأنتِ تعابثين الأشرعة
وأنتِ تمتطين الصواري
أعرفُ جرأتك التي تشبه الحلم
حماسة أصابعك
وأنت ترشين التراب في وجه العالم
صدغك اليابس الذي يدحرج الأحجار
نمرك الذي يزأر في الليل البهيم


2
أتحسسك بأصابعي الغبراء
أجسّ ظهرك الأسمر
المظفر بالرمل والملح
أنحني شحاذاً للعسل
على خوخك الطاهر وإجاصك المقدس
ألتقي عينيكِ في موعد الغبار
أبتهل في رحمك الذي يُطهّر الأرض من العدم
والزمن من الخراب
أتشابك مع ظلك
مسحوراً بشكلك
مسحوراً برأسك المندفع كرصاصة مباركة
أو ضحكة ناقمة


3
انثري رملك
احمليني في مهدك يا أمّ النهر الرقراق
يا حفيدة الأسفار
خذيني معكِ
كي يستشري الطلع
كي تنتشر عدوى البذور
خضبيني بحناء وشمك
برقش هبوبك الوحشيّ
بحُمّاكِ التي تسيل أنبذتها في الوديان والبراري
طيري بي
طيري بأسراري المندلقة على الذرى والهياكل
طيري بأرواحي السمراء
طيري بقمصاني الممزقة
في حنينك الجارف


4
جهزي المشاعل
افتحي أوردة الأشواق
قُدُماً سنمضي معاً
كي نسقي المدن والجسور
بالنيران المغسولة التي يحبل فيها الشعراء
بالفضة العاصفة التي يتناسل فيها اليتامى


5
ها أحصنتك تصهل في المسافة
ها فخذاك يبرقان سُلّمين عاريين في ماء الشمس
ها سُرّتّك تحمل الجرار المخمورة
ها ثدياك مترعان بالجور الرحيم
ها عيناك تدّلاني على البئر


6
أنتِ المطر الندفيّ
أنت السحب الملكية
خذيني في منطادك
إلى حيث يتوارى النبع عن الأعداء
والفراشة عن الأشياء الثقيلة
خذيني إلى حيث ينكشف الطائر
إلى حيث تسكن السفينة
في صريرها الليليّ


7
اعصفي بي أنا الحجر
انحتيني على هيئة موجة أو قطار
مدي لي ذراعيك الجريئتين
كي أصعد في عينيك خفيفاً كجرس أو زهرة زرقاء
اشلحي لي روحك
كي أدوخ في رغبتك التي على شكل هلال
تعسّفي بالقرية الصغيرة
كي تتماوج أطيافي في حيوانك البريّ


8
نصركِ يباغت الحرب
وجهك القمريّ يسيل في الطرقات والمنافي
عشاقك يرفعون الجدار المنهار
مواقدك التي أطفأتِها تشتعل مرة أخرى
قدورك التي دحرجتِها إلى لجة النهر
تتنزّل من السماء موائد وأعياداً
لوحتكِ المنكوبة
تسطع في الصيف الحالم


9
وأنا هنا أنتظر عبورك الفذ
مجيئك الأهوج
أخطب ودّك أيتها الغزالة المخلوقة من الهواء
أشتهي صداقتك أيتها الورقة الحرّى التي تطير من زفرتك


10
أنتِ الخلاص
الذي يجرفني بألسنته اللامرئية
إلى بلل الغابات
أنتِ السفينة
التي تنقذ حصاني من الإسطبل
وحصاتي من الجبل
أنتِ امرأتي
التي أتزوجها في مطلع الحرائق
أنتِ - يا الرياح الحرة الطائشة-
عشائي الأخير
وعزائي الأوحد
في المصباح المتأرجح هذه الليلة


* شاعر عُماني

دلالات

المساهمون