الذاكرة التي لا تنام أبداً

الذاكرة التي لا تنام أبداً

12 يوليو 2017
(الشاعر)
+ الخط -

صبيّ يعمل مع أبيه

صبيّ يعمل مع أبيه خارجَ الفندق
يسقيان العشب الأخضر
يتفحصان الأجماتِ والمساكبَ الصغيرةَ
ثمةَ رقةٌ في الطريقة
التي يعرِّف الرجلُ فيها ابنه على قواعد سوق العمل
ثمة المسرات الصغيرة للحياة اليومية وفترات الاستراحة
يشتركان في شيء ما
مع العاصمة، إن وُجدتْ حقاً
متخفيَين في عاصمة غريبة قاتمة
تُغرّي الأشياء في نفس الآن
كنوع من لاصقِ ورق الجدران
عاصمة لا تنام أبداً وكلّ ما فيها
نقيضي: أنا مُنهَكٌ كحصان يترنُحُ
أنا مُنهَكٌ كجورَب، بل أكثر إنهاكاً من القطار

أفقتُ الليلةَ الفائتةَ على تشنّجٍ في جسدي
هززتُه المرةَ تلو الأخرى لكني لم أستطع التخلّص من التشنج
كان البردُ يلفّ المكان، وكنتُ جائعاً
عدتُ إلى الفراش، رغم أنه كان عليَّ النهوض

من الطبيعي ألا يباليَ المرءُ وأن يتناسى كلَّ شيء
ويطلب أن يكون في الوقت ذاته محبوباً على الدوام من قِبَل الجميع
أريدُ أن أكون محبوباً من قبل الجميع-
لكن أنّى لي أن أحظى بذلك

يشبه الأمرُ خثرةَ مدخِّنين تكتّلوا
أمام أبواب المؤسسة
يجمعهم شيء
لا أمتلكُه

أنتظرُ خارجَ الخارجِ
ومن دون مطر لا ينمو العشبُ
تلك حقيقة
أخمّنُ في الطريق الذي سأسلكه نحو الفندق
حيث خيّمتِ الظلمةُ-
فلم تعدْ تستطيع تبيُّن العشب
لكن من الجليِّ أني أخفّفُ عن نفسي بأخيلة كهذه
رغم ضبابيةِ العلاقة بين العشب وبين مَن أكون
أو العزلة التي أعيشها
العشبُ
ينمو من المنتصفِ ولونُه واعِدٌ
العشبُ،
ماذا عنه بعدُ، ثمة شحناتٌ فيه، والكلُّ يمتلكها

ثم يخطر لي أن الصورةَ تركّبتْ بشكلٍ مغلوط
ثم أتناول المفاتيح من مكتب الاستقبال
ثم أصعد إلى غرفتي
ثم أشعر تماماً أني حزين كمصباح كهربائي
بقيَ مُضاءً الليلَ بطوله
ويجب أن يتحسس طلوع ضوء النهار
ثم أضطجع على أغطية سريري الباردِ حدَّ التجمّد
ثم، في نهاية الأمرِ
أستسلمُ للنوم


■ ■ ■


الحاجةُ إلى بدايةٍ موفقة

الحاجةُ إلى بدايةٍ موفقة، مدخَلٍ ومخرج موفَّقَين
إلى و مِن كلِّ علاقات الحياة هي، حسناً، هي ماذا؟
هي حاضرةٌ، كما أظن
كهذه الليالي، النادرة بعض الشيء، الموغلة في القِدَم كما أعتقد
كأنما جاءت من مكان قَصيٍّ
لكن هل تتجاوزُ فائدتُها
أنها محض زينة وإثبات حضور
كأنها لم تكن وفيرةً ما يكفي
لأن تتزيّنَ وتثبتَ حضورها
في روما ببزّةٍ نظيفة في الطريق إلى أمكنة الاستحمام

أنا أيضاً في طريقي إلى نوع آخر من أمكنة الاستحمام
مكان يمكنك فيه أن تغمر روحك بالماء الدافئ، كما يعِدُ الإعلان
سويةً أنت وجسدك
يحدوك الأمل بأن تتقشّرَ كما الملصقات عن عبوات المربّى
يحدوك الأمل بأن "تبقى" ممددةً في قاع المغطس
لتتركني أنعم بالسلام وهلةً من الوقت، نظيفاً وطازجاً
هي الروح، أو ما نشاءُ لها من أسماء، لعلها الذاكرة
الذاكرة التي لا تنام أبداً
الذاكرة التي تستعيدُ غدراً
الأسى بصورة أكثر إشراقاً مما تفعلُ مع الغبطةِ
بكل بساطة، مجليّةً، في طلوعها مع ماء الحمّام

غير أن للبشر رغباتٍ أكثر تواضعاً وبساطة:
صباح خريفيّ رائق ومنعش، غزال
هادئ مشدوه في الحقل، قهوة ساخنة
يتصاعد منها البخار، نار تفرقع بهدوء في مدفأة الحطب
وأن يسرح المرء في تخيّلِ

مصباح وحيد يشعشع في الخارج
يلوح أصفرَ وزاهياً أمام البيت الهاجع
أحتاج لأن أنام
لكن النوم عزيز، مهما يكن:
الأفضل أن أعمل
من أن أكون مُعدماً
ومن دونِ عمل

البيتُ ساكن على نحو واعد كتوم
رغم أن علّةَ اللاوعي قد تكون كامنة
في صناديق سوق العمل المبتذلة وغير المبشرة

خطر لي أن أكتب إليك عما أراه من نافذتي
(من بين أشياء أخرى: مدخنة محمولة على سقالة فوق سطح من القشّ
لعلها قيد الترميم منذ أمد بعيد)
مع أن المشهد ذاته يكاد يحكي لك عن حياتي
التي ترصده بأقصى ما يمليه الضمير


* Martin Glaz Serup شاعر دنماركي من مواليد 1978. نشر سبعة كتب قصصية للأولاد آخرها "يانا وإيليا وأولادٌ آخرون" (2013). بالإضافة إلى سبع مجموعات شعرية أحدثها "ليالٍ رومانية" (2013)، ومطوّلة شعرية بعنوان "الحقل" (2010) التي نشرت في الولايات المتحدة في 2011. وله كتاب قيد النشر بالإنكليزية بعنوان "بعض تساؤلات تنطوي على تساؤلات".

نال جائزة ميشيل سترانج للشعر في 2006. وفي 2008 تلقى الميدالية الذهبية من جامعة كوبنهاغن عن أطروحته عن "الشعر والجماليات العلائقية". وفي 2012 حظي بمنحة من مجلس الفنون والآداب الدنماركي البالغة 145000 دولاراً أميركياً.

يدرّس سيروب الكتابة الإبداعية في جامعة الدنمارك الجنوبية وفي كلية كتّابِ أدب الأطفال، جامعة آرثوس.


** ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون