رسائل في إعادة تأهيل العاطل عن العمل

رسائل في إعادة تأهيل العاطل عن العمل

06 مايو 2017
(الشاعر)
+ الخط -
1

أن أكون مريضاً، أو أن أكون قد مرضت يوماً،
أو حتّى إمكانيّة أن أمرض، أمام ناظريك أو ناظريّ،
بينما عليّ ما عليّ (حذاء أسود ما برباط أسود)،
أعتبر كلّ ذلك غير محتمل بشكل قاطع

مع ذلك أنا موجود

في هذه الصحّة اللاهية من جديد عن نفسها
مطمئنّاً إلى ربلتي الساق
إلى عظمتي العقب
إلى الأظافر النامية
أنا موجود مثل الغبار
مثل المراهم
مثل الخزائن التي يجب التي يجب أن تُحطّم وتُحرَق
مثل أغطية الصفيح التي يجب أن تُقذَف في الهواء

عن هذا الوجود يمكنني أن أحدثّك
عن التباسه
إلاّ أنني لا أرغب في ذلك اليوم، ليس هكذا
ليس مع هذه المسافة
التي، خاليةً من الابتسامة، تضعها من جديد
بينك وبين نفسك

2

أودّ لو أنّ العمل إنْ وجدْته
(داخلاً فجأةً مع أوراق الجريدة المطويّة بشكل سحريّ تحت ذراعي مع كلمات الإعلان معلّمةً كلّها بالأزرق)
أودّ لو أن العمل يجدني
بأقصى الوضعيّات خفّةً وجرأةً
بتلقائيّة متأهبّة
بصدقٍ مطلق

أودّ لو أن العمل حين أجده
يصادف حولي ما لا يجب أن يخلو العمل منه:
امرأة في ريعان شبابها - مثلاً - يمكنني أن أغامر بالكلام معها

لو كان في مقدوري العثور على امرأة للكلام
للمغامرة في الذهاب معها إلى حيث لا تفرّق الكلمات بيننا
بعيداً عن أي عمل
بحيث يعطّل الكلام العمل
سأعمل ثم أتوقّف لنتكلّم فقط
بعيداً عمّا يمكن أن يقال
بعيداً عن النوم والطعام والمال
حتّى أقول الكلمات التي سأكون قادراً على قولها لها فقط
- للمرأة التي في ريعان شبابها -
في خضمّ اكتشاف اللغة هذا

بعد انتهاء العمل ستولد لغة سيغدو العمل نفسه من خلالها أجنبيّاً
أمّا نحن فلن نكون منهكين وإنّما أكثر جمالاً
وأشد التحاماً الواحد مع الأخرى
مثل آخر المتكلّمين

3

علاقاتي الاجتماعيّة موجودة
بإمكاني أن أكون هادئاً عندما يتسنى لي أن أفكّر بمجملها
دون أن أتأملها عن كثب
عندي علاقات - أقول في سريّ - وهذه الفكرة (مجمل علاقاتي الاجتماعية الموجودة) تكفي حتّى يجتاحني إحساس بالهدوء

أنا لا أحصيها
ولا أريد حتى المبالغة في التدقيق فيها - بشكل عام هذا كافٍ: إنها علاقات اجتماعيّة واضحة لدرجة أنّها جميعها موجودة في خدمة طمأنينتي

عندما أسافر بوسائل نقل عامّ فائقة السرعة أو في سيارات خاصّة بما في ذلك تلك المندفعة بقوّة على شوارع سريعة طويلة ومستقيمة
أو محلّقاً فوق سجّادات غيم طريّة
صامتاً و ناظراً بشرود من نافذة الطائرة
تستمرّ علاقاتي كما هي كما لو أن ليس في مقدور الحركة والصمت والغياب المطلق للنوايا أو الذكريات إيذاء سطحها ولو قليلاً
كما لو أنها تعيش حياتها خارجي تماماً
باستقلال تامّ
دون أن تحتاج إلى هواجسي الخفيفة بينها كي تكون موجودة


 

* Andrea Inglese شاعر إيطالي من مواليد ميلانو عام 1967، ويعيش قريباً من باريس حيث يعمل أستاذاً جامعياً. أصدر سبع مجموعات شعريّة آخرها "رسائل لإعادة التأهيل الثقافية للعاطل عن العمل" (2013) ومنها القصائد المترجمة هنا. بالإضافة إلى مقالات في النقد والنظريّات الأدبيّة، أصدر كتابين في النثر ونشر روايته الأولى "باريس هي رغبة" عام 2016. وهو قيّم مشروع "وصف العالم" www.descrizionedelmondo.it لإنشاء جماعي للنصوص والأصوات والصور.

* ترجمة عن الإيطالية: مصطفى قصقصي


المساهمون