ينبوع يحنّ إلى عطشي

ينبوع يحنّ إلى عطشي

19 مارس 2017
كاظم حيدر/ العراق
+ الخط -

ثلاثية

في الأزمنة السحيقة
وُجدَ حيناً إنسانٌ
- قد يكون أنا، ذاته -
مُبحراً في رحلةٍ لامنسيةٍ.

في تلكَ اللحظة ذاتها صحوتُ
في مملكة الأحلام الرائعة،
بمداعبةٍ خفيفةٍ ومنسيةٍ
في الهوى الدَّافئ لجسدٍ آخرَ.

سوف نحيا من جديد حكايات قديمة
في ليالي متجددةٍ من حناءٍ وصندلٍ،
نستلذُّ بوهمِ مشهدٍ مضى
بلا عودةٍ في القطارِ الأخير.


نافورة اليشب

متخفيةً في حرير ناعم تنبثق
نافورة اليشب فاتنة
لا تكف أبداً عن التدفق.

مختبئاً ما بين ورود صفراء
يجري خلف جبال متعرجة
ينبوع يحن إلى عطشي

شامخةً، ترتعش جبالُ أقمار
على إيقاع ركض الخيول
حين تنحني لترعى العشب الطري
الذي يغطي الحقول خلال الربيع.

أنهار من فضة تتدفق
عبر الوهاد المتقدة،
جذوع من عاج تنجلي
في الفجر الدافئ.

والباب المشرعٌ أبداً،
ينتظر كل ليلة في لهف
المداعبةَ التي تطلبها المفصلات،
والنورَ الذي يجعل مقرعته متلألئةً.


عذوبة مشتعلة

لربما استطعت هذه الليلة أن أعلّمك
الألعاب السرية للحب
دون أن أعبث بتسريحة
الخط الرقيق الذي يحيط
بدسائس تلك النظرة.

بل من الممكن أيضاً
أن أصيرك لماعة مثلما النجوم،
في العتمة الدافئة
لفجر بلا نسيان.

أفكر جاداً أن أفرض عليك
العقاب القاسي الذي تستدعيه
العذوبة المشتعلة لشفتيك.

بينما النبرة الخفيضة لصوتك
تنساب ما بين الأروقة
التي تستبق سخافاتي.



إلى دفء جسدك

انتظري عودتي هذه الليلة
داعبي العري الدافئ لجسدك
بالسندس الذي تتسربلين.

ألا لا انطفأت عن شفتيك أبداً
تلك الحمى التي شاركتك إياها.
أسلمي ذاتك بلا عجلٍ وبلا خوفٍ
للذةِ المزهرةِ
ما بين أغصان قدكِ المخضرَّةِ.

فلنته بمنأى عنِ الشكِّ السرمديِّ
النابع من الهزائم القديمة
مبحرين معاً عبر محيطاتٍ
مجهولةٍ بعد من الإنسان.


وسام أسود

وسامٌ أسودُ مُجعَّدٌ ولامعٌ
نما تحت شمس منتصف الليل،
جحر كثيف للغيم المتلوِّن
الذي يخفي آس البستوني.

منزل خفيّ يأوي
أشكالاً لطيفةً من البليساندر
مهيأةً أبداً كي تضع فيها أزواج
طيور عمياءَ بيضها.


فانتازيا

تحت وميض سماء
يضيئها بحر من نجوم
تغني الدربوكة والناي والربابة
في صحراء الأهلة.

مشهد حب شفيف
وُضِعَتْ حاشيتُهُ بأهدابٍ من حريرٍ
يمنح معنى لخيال حلم
تبرعم في واحة "تنغير"

قلاع من الطوب تحرس
فجاج أودية سرية،
مثل حراس قساة حذرين
لينابيعَ وأساطيرَ جميلةٍ.

وساداتٌ ناعمةٌ
فوق السجاداتِ
تغطي أرضية الخيمةِ
التي تحتفي بنهاية الحكاية:
فرسان النارِ
يفرغون أسلحتهم

لكي يموتوا بين أحضان الليل.


مثل أفريقي

تلتمسين مني أن أبوح لكِ بما أحسُّه
لأنه يُفزعكِ أن تعيشي مرتابة
تخيَّلي ألف أغنية للزيزان
المتخفية في حقول القمح الصفراء
حيث يتنامى الخداع والشقاق.

وتصرّين أحياناً على إلقاء
ظلٍّ كثيفٍ ومتشابكٍ
دون أن تحسِّي صوتَ قلبٍ
يأوي في أحضانه حزنَ
صمتٍ لا مفهومٍ.

إن كنتِ تهابين وهمَ حلمٍ
فلن تَصِلي أبداً زهرةَ الخيالِ
المتبرعمةَ في صخرِ الطفولة
كي تينعي ما بين القبلات العذبة
التي توقظ أوهاماً قديمةً.

أهدي ثمارَكِ الناضجةَ
شمسَ الصباحِ
التي تخفي في أشعَّتِها الدافئةِ
الإحساسَ الصادقَ لطفلٍ.


راقصة

سترقص الراقصة الليلة
مبرقعةً بخمارِ حزنٍ
وبذكرى تائهة في الذاكرة.

ملفوفةً في شفافيةٍ لطيفةٍ
ستموِّجُ خصرها الرشيق
مُجَمِّعةً صدى الدفوفِ
مع الإيقاعِ الشهوانيِّ للخصرِ.

ستمشط الهواءَ بذراعيها
مثل أصابع من ضوءٍ بين الكثبانِ
وهي ترسم نخيلاً في السماء
حدَّ استنفادِ شرابَ الغيابِ.

بعد حينٍ، ستنام في شفق الغرفة
منعكسةً في الجذوة الزرقاء للنحاس
تعسةً ومنهكةً ووحيدةً.


زهرة الريحان

زهرة الريحان البيضاء،
وُلدتْ في عتمة
السراي الدافئ لأقمارٍ سكرى.

يا امرأةً متألقةً بلا عيوبٍ
يا التي تُهدي تنهدات مشتعلة
لأزهار فمي اليابسة.


خنجرُ المُحَارب

أيُّها الخنجرُ الجارحُ الذي ينتظرُني
متخفياً في كفِّ المحاربِ،
منتزعاً لانعكاساتٍ مرهفةٍ.

بقبضة من أبنوس وعاجٍ
تتحول إلى تحفةٍ منقوشةٍ،
تبرزُ فوقَ الحزام
وتموت مُسمَّراً في الذاكرة.


مناجاة

لستُ أعثرُ على الكلماتِ المناسبة
لكي أسدِّيَ السحرَ
الذي سوف يسمحُ بأن أكون
المبرِّرَ الأكبرَ لوجودِكِ، الساعةَ
التي تُتابعُ تدفُّقَ أحلامِكِ،
أن أكونَ مَنْ يكتشفُ الأسرارَ
التي تحفَظين في الصندوقِ الفسيحِ لروحِكِ،
همساتِ صباحاتِكِ،
أن أكونَ الملاطفَ المستعدَّ في كلِّ الأوقاتِ
مثلَ عبْدٍ مطيعٍ.

كبيرٌ هو اشتهائي حتى إنِّي لستُ أستطيعُ
أن أجدَ كلماتٍ لكي ألتمسَ منكِ
أن تُنقذيني مِنَ الهزيمةِ المُحَقَّقَةِ.


دِيَكَةُ الفجْر

تصيح الديكة في الفجر
منسية من الساعة والباعث.
عند حدود الثالثة تصيح الديكة
في هذا النعاس اللامتناهي.

لربما يكون النوم غاب عن هذه الليلة.

الغيوم والسهد والذكريات
مهاميز تمزق الصمت.

الكلاب أيضاً تنبحُ
وتَشْتَمُّ القمر في الظلال:
تحسُّ دِفْءَ حضوره.

تصيح الديكة في الفجر...


نوبية

أيتها الأميرةُ النوبيةُ المتعجرفةُ
أمام الآلهة تبدين فتنتك،
عارضة دون احترازٍ
الكنوزَ الخفيةَ لسلالتك.



Basilio Rodriguez Cañada شاعر إسباني ولد في نابالبيار دي بيلا (باداخوس) سنة 1961. نشر عدة دواوين شعرية أهمها:"المراهقات" (1983-1986) "الجَديرُ بالأبديةِ" (1990-19955) "روافد الذاكرة" (1996) "نافورة اليشب" (1998)، كما أصدر سنة 1997 أنطولوجية شعرية بعنوان: "الشعر الأخير: خمسة وثلاثون صوتا لافتتاح الألفية"، جمع فيها أهم الشعراء الشباب الواعدين في إسبانيا في حينها.

** ترجمة عن الإسبانية خالد الريسوني

المساهمون