خطوات إلى الداخل

خطوات إلى الداخل

28 أكتوبر 2017
(الشاعرة، إلى اليسار)
+ الخط -

(1)
أسحبُ نفسي متوترةً
أتفادى النسيم اللاسع
هذا ليس وطني
أشجار البتولا
تمزّق قلبي، تحوّله
إلى بلوّراتٍ جليدية

أتجاهل الجليد
الزاحف إلى عروقي
تذيبني العتمة
لا أعرف
متى ينتصر الصقيع


(2)
قدحٌ فارغ
على مائدة متوحدة
نافذة بلا ستائر
مفتوحة على العتمة
الخطواتُ
التي لا تتقدّم إلا إلى الداخل
الأصواتُ
الهاربة من النافذة
الغراب
الذي يجيب على الأسئلة
يعرف كلّ شيء


(3)
أمس بكيتُ
كنتُ وحيدة تماماً
لا أحد يهتم
لا أحد يبتغي

والآن وحيدة
أبكي
تماماً
لا أريد أحداً
لا أحبّ أحداً


(4)
اكذبْ عليّ
ضلّلني
سأكتبُ عنك قصائدْ


(5)
الشتلةُ لا تسألُ عن الزمن
لديها بحرٌ محيط من الأزمان

الشجرة تسأل عن الزمن
وتعدّ.. متى سيفقد نسغها كل إحساس

القرمية لا تسأل عن الزمن
لديها بحرٌ محيط من الأزمان


(6)
في شقِّ غيمة
ألقيتُ مرساةً
تسلقتُ الحبلَ صاعداً
فوق رؤوس البتولا
وبإصبع خاتمي لوّحتُ
للنمل
.. وداعاً
شكراً على كلِّ شيء


(7)
دع جلدينا
يتنشقُ أحدهما الآخر
أولاً
ثم انتظر
إلى أن يعرف أحدهما الآخر


(8)
أيها الصقلّي
تسألني
عن عاداتنا في الأعراس
عن معتقداتنا القديمة
عن مذابح تقدماتنا الحجرية

لا أعرفها
وأشعرُ بالخجل

اسألني بدلاً من ذلك
عن عادات الفنلنديين
بماذا يؤمنون

تلك أعرفها
وأشعر بالخجل


(9)
لديك كلُّ شيء
وظيفة جيدة
راتبٌ جيد
شقة جيدة
صحةٌ
حريةٌ
خياراتْ
لديك شريكٌ
حبيبٌ
واستياء


(10)
يتيمٌ
لا يعي
حريته


(11)
بعد كل شيء
أصابع النجارين والعازفين
تتحرّك مثل نسيم فوق نجيل

أدقُّ الجرس
أرجّعُ الصدى
طيلة الليل

أصابع العازفين
لم ترجعْ
الذئابُ تنوحُ
طيلة الليلْ


(12)
صورتكَ على الرفّ
تراقبُ خطواتي
مثل صخرتنا المقدسة في الأزمنة القديمة
تشرفُ على البحيرات الغنية بالأسماك
ترعبُ الغرباء.. تبعدهم


(13)
مباركٌ أنت
لا ترغبُ في الامتلاك

ولكن لماذا
لا يُعطى لي دائماً
إلا المستعار؟


(14)
كلّما فتشتُ أكثر
كلّما عثرتُ
على قوارب شتائية أكثر
طافية فوق فراشي
رياحٌ تمرّ فوقي


(15)
جلدي متجمدٌ
عروقي مثل زبد الثلوج
قلبي مثل وعاءٍ من زجاج
الريحُ
حولي وفي داخلي
فوقي وتحتي
في الداخل، في الداخل

ما الذي تفعله بأعواد الكبريت
مصباحٌ؟ مشعلٌ؟
متى رأيتَ لهب الجليد؟

الريحُ تمرّ فوقي
تطفئ النارَ، نارَ المخيم
الريح تلامس خدودي
كتفيَّ، صدري
الريحُ أليفة، مأمونة

تسألُ كيف أتحمّل الجليد في ذاتي
أنا ريحٌ باردة، ريحٌ ثلجية، ريحٌ صقيعية
أنا..

هل تهدأ الريح؟
متى؟ كيف؟
ولماذا

تهبّ الريحُ
يغمرُ الثلجُ الممراتِ، الطرقاتِ
حولي، في داخلي
شتاءٌ..

خمس عشرة سنة شتوية
لا النارُ ستكون قادرة
على تدفئتها ولا يديكَ
الريحُ تعانقني، تمسكُ بي
رياحي أنا..

هل تتذكر متى قذف البركانُ
إلى السماء بكل حممه؟
منذ خمس عشرة سنة
غطّت الشمسَ غيمةٌ من غبار
لم تعد الشمس مرئية، لم تدفئ
الوحيد الذي يمكنه فقط، شيء ما..

تمرّ الريحُ فيّ، معي
حولي، فوقي
في داخلي
الريح..


(16)
قصائدي
تشبه محاجر بومة


(17)
ألحسُ
فطراً حريرياً
تتحول القشدة
إلى زبدة


(18)
هذه الجزيرة تدعى فردوساً
شروقُ شمسٍ
نخيلٌ
بحرٌ محيطٌ فيروزيّ الزرقة

ولكن حاول أن تعيش هنا!

سمُّ نبتة منتنة
يلتصقُ بالأنف
وأودّ أن أتقيأ
كلّ يوم آخر

زجاجات بلاستيكية
أكياسٌ بلاستيكية
خردوات حديدية
حفاظات أطفال
أسمال
أحذية
أكياسٌ ورقية
كرات قدم
دراجات

تحت الشجرة
في القناة الترابية
على الساحل هناك
عاداتٌ غريبة
تجلب الكراهية

الآن أفهم لأول مرة
عداء الفنلنديين
والنرويجيين
لكل ما هو "سامي"


(19)
أصابعي
في الأجمة
تبحثُ
عن شذاكَ
حتى بعد
أشهر عديدة


(20)
عاصفة رعدية
تعصف في داخلي

من حافة إلى حافة
فوق القبة السماوية كلها

أولاً.. بعد ثلاثة أشهر
ثم يأتي الصوت تالياً


(21)
تصبح الأرض أكثر دفئاً
وطبقة الأوزون أكثر هشاشة

صخرة متدحرجة تظلّ تتدحرج

ما الذي سيفعله الأحفاد
بميراثهم الثمين؟


(22)
مع أول متاعب
رقصة الحياة المبتهجة
نسمع همسة
الغد المتأففة


(23)
من السهل
سهولة بالغة
أن نقتل
ولكن صعب علينا
قبول
أن يصل آخرون
إلى قوس قزح


(24)
أنا
وحدي
لا غير
أنا مهمةٌ جداً
إلى حد بالغ
بالغ.. بالغ الأهمية
في النهاية
صخرة متوحدة


(25)
أخيراً
وما إن يصبح بصركَ حديداً
يأتي فأسُ الدهر البليد
ويقصف أغصان الذاكرة


(26)
انتظرتُ الصيفَ طويلاً
وما إن نظرتُ حولي
حتى اكتشفتُ أنه رحل

أهكذا هي الحياة دائماً؟


(27)
تغوص سمكة سلمون
خلال مرآة الماء
تتناثر عشر عيون


(28)
وراء الأمواج
يعثر الزورق على مجذاف
مع أن لا أحد يجذف


(29)
ستارة من قطرات مطر
حتى الغراب لا يمكن سماعه
وهو ينعق بقوة


(30)
صوتُ رقاقات الثلج
من المؤكد.. المسافة شاسعة
بين اليد وسقاطة الباب


(31)
تعزفُ الريح
على أرغن السماء الخفيف
يتقافز اللحنُ حول ثلج تسوقه الريح


(32)
في السماء رنينٌ
نغماتٌ تامة
تواصل الطيران شمالاً


* Inger-Mari Aikio شاعرة وكاتبة وسينمائية، من مواليد عام 1961، تنتمي إلى شعب "سامي" من سكان فنلندا الأصليين، وتكتب بلغته الشمالية، لغة الأوكرك. تنتشر مواطن هذا الشعب في الدائرة القطبية التي تشكل اليوم شمالي النروج والسويد وفنلندا وشبه جزيرة كولا الروسية. في قصائدها المترجمة هنا تلفت النظر بضع قصائد مكتوبة بأسلوب وروح قصيدة الهايكو اليابانية.

** ترجمة عن الإنكليزية محمد الأسعد

المساهمون