فضاء تسعه راحة الكف

فضاء تسعه راحة الكف

25 يناير 2017
(خوسيه ماريا ميرينو)
+ الخط -
مسافر متصنّع

لم تكن جولة تناول المقبّلات، قبل الغداء، مثل كل الأيام. عند لقائهم به، كثيرون أظهروا ابتهاجاً كبيراً، كانوا يهنّئونه على عودته، ويفرحون لوجوده بينهم من جديد. "أهلاً بك، يا راميرو، كانت الساعة أزفت لكي ترجع، مرحباً بك، لقد مضيت بعيداً جداً"، كانوا يدعونه من حانة إلى أخرى، قائلين: "لقد عاد راميرو، علينا أن نحتفل بذلك". شرب كثيراً، ولما مضى إلى بيته لتناول الغداء متأخراً بعد أن ودّعهم، كان يمشي غير واثق من نفسه، كان رأسه مثقلاً بالحيرة، ولكن ليس إلى درجة ألا يعرف أنه لم يغادر قطّ هذه المدينة، وأن راميرو ليس اسمه.


الخروج الرابع

البروفيسور سوتو، وبفضل بعض الوثائق الآتية من أسواق طليطلة، اكتشف أن الفصل الأخير من الجزء الثاني لـ دون كيخوته، والمعنون "عن كيف سقط دون كيخوته مريضاً، وعن الوصية التي تركها وموته"، هو تأويل استبدل به كاهن جزءاً مهماً من النص الأصلي ونهايته الحقيقية ليمنح الرواية بُعداً مثالياً.

وعليه، فقد كان هنالك خروج رابع للنبيل السيد العبقري، وفيه التقى بالساحر الذي كان ينصب الشباك له في شؤونه، وهو جنديّ قديم مبتور اليد كان يساعده موريسكيّ مثقّف، فتمكّن من هزمهما.

وهكذا، صارت الطواحين عمالقة، والخانات قلاعاً والقطعان جيوشاً، وتزوّج هو، بعد مآثر لا تعدّ ولا تحصى، من دولثينيا ديل توبوسو، وأنشأ سلالة من الفرسان الجوالين الذين ساعدوا حتى الآن على إنقاذ العالم من المحتالين والأنذال، الشريرين والنّغال الذين ما زالوا يتطلّعون إلى فرض استبدادهم المشؤوم علينا.


قدمٌ

من أعزب انتقل إلى شيخ العُزَّاب وهو متعودٌ جداً على النوم لوحده. وفي ليلة ما أيقظه الشعور بلمسة غير مألوف، فقد اصطدمت إحدى قدميه بجلد دافئ وناعم لقدم ليست له. يحتفظ بقدمه ملتصقة بالقدم الأخرى، ويمد ذراعه بعناية للبحث عن الجسد الذي يفترض أنه يضطجع بجانبه، ولكنه لا يجده. بشعل الضوء، يرفع غطاء السرير، لا يوجد شيء في الداخل. تخيّل أنه كان يحلم، ولكن بعد بضعة أيام سيستفيق مجدداً عندما يشعر مرة أخرى بتلك اللمسة من النعومة والدفء الغريب، وحتى شكل باطن قَدمٍ تستند إلى مشط قدمه. هذه المرة يبقى ساكناً، يقبل الملامسة كمداعبة، قبل أن يعود ويغفو من جديد. ومنذ ذلك اليوم، تأتي القدم الصغيرة لتبحث عن قدمه ليلة بعد أخرى. خلال النهار، يجده زملاؤه وأصدقاؤه أكثر حماساً ومرحاً، متغيراً. إنه ينتظر قدوم الليل ليشعر في العتمة بتلك القدم تلامس قدمه، ينتظر بنفاد صبرِ عاشقٍ شابّ قبل حلول الموعد مع عشيقته.


الصوت الصغير

هل تتحدثون عن الكون؟ الذرّة هي الكون! هل تتحدثون عن الحياة؟ الخلية هي الحياة! هل تتحدثون عن فضاء؟ كله تسعه راحة الكف! هل تتحدثون عن الزمن؟ هذه اللحظة ذاتها هي الأبديَّة! لكن صوتها كان صغيراً جداً، ولا أحد انتبه إليه.



* José María Merino روائي وقاصّ إسباني من مواليد لاكورونيا عام 1941.
أصدر قرابة خمسين كتاباً توزّعت بين البحث الأدبي والأعمال السردية؛ من بينها: "ثلاثية الأسطورة" وثلاثيته عن اكتشاف أميركا "اليوميات الخلاسية".

**ترجمة عن الإسبانية: خالد الريسوني

المساهمون