في الأوراق سريعة العبور

في الأوراق سريعة العبور

30 سبتمبر 2016
(الشاعر مع عمل "زيرو دولار" لمواطنه سيلدو ميريليس)
+ الخط -

على السطح
كذلك يبدأ الأمر: تنحتُ الرمال، يحلّ الظلام. تضفي من دون أخاديد على التواريخِ الملامحَ- المشهدَ السليم في قلب الحطام.
في عبوركَ قربَ ما لا يُقال، تركنُ إلى الصمت، تبدّلُ الهيئة: تفقد الصورة وأثرها الحيّ؛ تفقد كلّ شيء، ثم تُطْبق العتمة.
ينسجُ الفقدُ خرائبَ الظلّ، والرجعَ المبهَمَ، والظلالَ: والذي لا يُقال، الثّرّ القريب مما يُغْني الآنَ، هو ما تنحتُه.


كالغيم ينشقُّ عن شعاعك
ثمة في وجهك المحايدِ
شيء هيروغليفيّ
(مُسْتَغلَقٌ) حتى ليستسلم المرءُ إزاءه
كلَّ لحظة.

ثمة شيء ما في وجهك
يجولُ أيضاً
بين يديك – ثمة ارتداد
تراجيدي يُحيلُ إلى لا شيء.

وكمن يدركُ مآلَ الكلمات
لكنه لا يفعل شيئاً، بل يكتفي بابتسامة،
أشحت عن وجهك شيئاً ما
والذكرياتِ المنسيةِ من ذلك

الصيف حين كتبت معروضك حينها،
بعد ساعات من النظرات:
أرغب في أن أرى
أكثر من أن أقول.


الخاتمة
إن تركن إلى الطمأنينة. إن تنقر أصابعُكَ على البيانو
الذي قطعتَ أوتارَه. تجدْ
أن المأساويَّ
لا يدوم.

إن تكن في الطمأنينة. ولا شيء،
لا شيء في البال؛
تنهض.
منبعُ البرق

سماءٌ كثيفة بالضوء
الآخذ بالارتداد.


الثيمة
ما تكونه كلّ قصيدة.


النقد
نعم، هو تقريع.
لكن علينا الرضوخ:
بأن ثمة في الشعر
ما يتجاوز الذائقة.


أنت
عليك أن تشهد كيف تولَد، وتلمسَ يديها كيفما اتُّفق،
ونبضَ صبواتِها العصيّة. ومن ثم،
لك أن تعيشها؛ لكن دون مسرّة، دون تعجّل،
ودون الاستعانة بخرائط كي تحدد وجهها،
بل دون أن تمحّصها. وفي نهاية المطاف، أنجز الأمرَ
مع حلم قديم من أعماق الروح:
نجوم على امتداد النسيج، عبْرَ مشهد يتهاوى الآن،
ولتُبيِّنْ ما الضائع وما كنه ذلك الإحساس.

في إشارات الطريق دونما بزوغ أو ذبول،
عليك ألا تحظى بها وفي الآن ذاته أن تنتظر مجيئها.


في البداية
في عدم خاطبتَ نفسك:
ـــ أيها التكوين الإلهي الحميم،
تخلَّ عن صيغة
هذه اللغة المهدِّئة للروع.

فحين يعود الصمتُ،
قد يحدث أيضاً أن يكون، ربما
وراء الماء الأنقى الذي
يغمر الأرضَ، شيء ما، أو
أحدٌ ما، دون إرادة منه،
بدايةَ الانبعاث.


نجوم
بالكلمة الآتية من فَجٍّ عميق تدنو من هذا الاسم،
وباسمكَ الذي شلَّعَه الجوهرُ،
تجدُّ في البحث عن أملاحه.

تُشوِّشُ انبلاج النهار حين تبزغُ
وتتركُ للثّقاةِ وحدهم أن يجدوا الصباحَ
في نهار الكلمة.

تُرددُ مقاطعُك اللفظيةُ العصيّة عن الفهمِ الحزنَ
متأصِّلاً في اللحن الخبيء
ما بين الكلمة المسموعة والكلمة المكتوبة.

تُرجئُ الأسماءَ، وفي موانئَ لا نهائيةٍ تتقرَّبُ
إلى الأصوات. وتقعُ
في كلمةِ العماء.


تحت ضوء يتيم شاحب
تحت ضوء يتيم شاحب
تكتبُ عن الأعين الغارقة في الكلمات.

أيها الشاحب، ها أنت تهذر بأغنية
من النافذة التي تمسك بها حين تؤدي دوراً في
هذا البيت.

الحربة في يد وفي الأخرى
نُقشتْ طريدتك المنهكة.

تترك خلفك الأوراق اليابسة في المجاز،
في الأوراقِ سريعة العبور تحتفظ بالكلام.

تكتُبُ.

يهاجمك هذا الحيوان
حتى يقطّعَ أوتارك.
يغرَقُ صوتُك
ولا يترك إلا حفيف
الصفحات التي تفترس إلهاً ما.


بعذوبةٍ تمرّ شفتاك فوق جروحي
بعذوبةٍ تُمرّ شفتاك فوق جروحي.
سُدَّ مجرى النهر المتدفق من الذاكرة
في هذه البرهة -
وهذه البرهة باقية حتى التحلل.

تستكشف شفتاكِ جروحي
ولم أعُدْ وحديَ-
بل سويةً، أنتِ وأنا،
هذه البرهة حياتنا.


عندما تتمتمين بتلك المقاطع
عندما تتمتمين بتلك المقاطع
وأردُّ دَيْنَ الليلِ لكِ،
ستكونين أنت في فمي وسيكون
لسانُكِ لسانيَ.
عندما ترتعش شفتاك
وألمسهما بجلدي،
سأكون فوق جسدِكِ وسيكون جسدُكِ
جسدي.
عندما يخيم الصمت
وتدنو عيناي من عينيك للغاية،
وقد انضفرت سيقاننا، ننوجدُ،
يصبح أحدُنا الآخرَ.


من فمي
ارتشفي من فمي
النبيذَ النارَ الرغبةَ
فنحن معاً

ارتشفي
ولن أتكلم
أحبكِ
ونحن واحدٌ


تحت التخدير
تحت التخدير: وثمة جسدك،
يداك ترتعشان. زهرتك.
الاسم الذي تحملين، مفاتيحُ
لما مضى من الزمن. ثمة الأرجوانيات.

تتنقلين – تترجمين. تتمتمين
برغبات ما. كلمات. أنت المولودة
من رحمك. تتحسسين جسدك: شيء ما يسترُ
إيماءات عريك المكشوفة.

لم يحنْ دورُ السماء التي ستفتحين، ولا الزهرة
بين ساقيكِ. شفتيك. اذهلي
عبر الغلالة التي تخفي ذلك الأبديّ:
الفراغ في مجرى أحلامك. اذهلي.


* لا يقتصر عمل الشاعر البرازيلي تشياغو بونسي دي مورايس Thiago Ponce de Moraes على كتابة الشعر وإنما على نقده وترجمته وتدريسه أيضاً. الشاعر المولود في ريو دي جانيرو عام 1986 أصدر ثلاث مجموعات شعرية وكتابين نقديين، وأنهى للتو أطروحة دكتوراه حول بول تسيلان والشعر البرازيلي المعاصر. وإلى جانب تدريسه للشعر في جامعة ريو دي جانيرو الفيدرالية، نقل تشياغو في السنوات الأخيرة إلى البرتغالية أعمال مجموعة من شعراء الإنكليزية والفرنسية والإسبانية.


** ترجمة أحمد م. أحمد

المساهمون