قنّينة من زجاج في مياه الأطلسي

قنّينة من زجاج في مياه الأطلسي

03 سبتمبر 2016
("بغداد 1"، أحمد السوداني/ العراق)
+ الخط -

هذا المساء
بعد أن قَطَعَت عنك أحدث النشرات الإخبارية سُحب الظلمة القابعة أمام النافذة وجَلدَت حائط منفاك ببضعة سطور، تبدو المسافة بينكَ وبين المدينة المطحونة بالخذلان غابة خضراء مفتوحة أمام عينيك، مع أنك تتأمّل ما يشتبك من أسئلة في وجهك وأنت تنظر في مرآة لا تحدّق فيك.
هل باتت الطريق أقرب ممّا ينبغي إليك، فأصبحتَ تشمّ رائحة ملوكٍ تشققّت محابسهم وهم ينفخون طيلة الليل في ناياتهم.
لم يعُد حلماً بعيد المنال
أن تُمسِك الهواء بكفّيك
أن تعود بشخابيط الطفولة لتجمع شظايا أشجار تُشبه وجهك وتستشنق هواءً بلون البنفسج على ذاك الجسر العتيق
وأنت كما لو أنكَ قنديل يبعث برسائل ضوء لصيّادين
ينامون في قواربهم ويحسبونها أحضان عشيقاتهم
مِن
بعد
أن
خذلهم
الانتظار.
بصوته العميق يهمس النهر في صحراء شرايينك بنسغ الحياة:
الفقهاء يحشرون حجج البيوت في قنّينة من زجاج بعد أن سقطت أسنان الحرب ثم يقذفونها في مياه الأطلسي
لا يشطح بك الخيال بعيداً وأنتَ في متحف من رمال
تبصر النوارس وهي تلهو
ما بين الماء والسماء
غير عابئة بما سيأتي.
تبدو على هذا الحال كلّما قرأت في صحف الصباح تصريحاً لمسؤول حكومي يؤكّد فيه أن الاستعداد لتحرير المدينة يجري على قدم وساق، إلاّ أنّك سرعان ما تصحو بعد نشرة أخبار أخرى، يعلن فيها مسؤول أميركي رفيع المستوى عدم جاهزية القوّات
تتراجع منكسراً إلى الخلف كندبة سوداء
بعيداً عن خرائط اليقظة
محشوراً في زاوية من الوقت الهارب منك أنّى يشاء.
أولئك الذين ينتجون نشرات أخبار من ماراثون فجائعنا
تشبه سقفاً كنسته الريح
بأيِّ أرضٍ سيدفنون ترابنا.
تعتصرنا الأخبار من حناجرنا
تحرمنا البوح بما نخبّئه من ألمٍ كُلّما هرستنا شجاعتنا

محرّرو النشرات الإخبارية يتعكّزون على سعاداتنا المهجورة
ليكسِروا ما تبقىّ من وطن نازح بين أضلعنا
ونحن هنا
نتضاءل بأحلامنا في مدن لن تعرفنا.

لعلّ الحياة بما فيها من حياة
ستزيد من شهوتنا إليها
أو تنحت فينا حياة أخرى تحكي قصّة الحياة
أو تترك فينا أثراً ستكفّ من بعده شهرزاد عن البوح في كلامها المباح.

السماء منذ ألف عام وأكثر تقطن هنا
فلماذا تاهت عنّا ولم تعد تحتفي بنا
ولا بالورد في حدائقنا
لماذا قصائد اللوعة ما عادت أعجوبة أشعارنا
ربما نجلس على الدكّة الخطأ
أو للصورة وجهٌ آخر.

دلالات

المساهمون